لم يكن الرئيس الأمريكي جورج بوش يتوقع أبدا طيلة ثماني سنوات التي قضاها على رأس أكبر قوة في العالم انه سيخرج من الباب الضيق لصيرورة التاريخ وبضربة حذاء من "عيار 43" قزمت مسيرته السياسية وهوت بدرجة شعبيته التي بلغت أدنى مستوياتها في عمليات السبر الأمريكية وعكست انتكاساته المتلاحقة داخليا وخارجيا. وبينما كانت نهاية الرئيس بوش بهذه الصورة الكاريكاتورية دخل الصحافي العراقي منتظر الزيدي صاحب هذه السابقة الفريدة في التاريخ من بابه الواسع بفضل نعليه اللذين وجههما كصاروخين في وجه الرئيس الأمريكي المغادر. لقد كان هذا الصحفي حديث العام والخاص في كل العالم والحدث الطاغي على كل القنوات التلفزيونية العالمية ومواقع الشبكة العنكبوتية وتعاليق مئات ملايين الداخلين إليها ليكون بذلك رجل العام دون منازع وقد يغطي على انتخاب باراك اوباما كأول أسود على راس أكبر دولة في العالم. وحتى وان كان الزيدي أخطأ إصابة هدفه إلا انه استطاع أن يلخص الصورة الحقيقية لقناعات غالبية الشعب العراقي تجاه المحتل الأمريكي وخاصة بالنسبة للذين يعرفون معنى ضرب شخص عاد بحذاء في العرف العربي فما بالك بضرب رئيس دولة عظمى بحجم الولاياتالمتحدة. والمؤكد ان الرئيس بوش كان ينتظر ربما أسئلة محرجة حول مسيرته وقراراته الخاطئة تجاه العراق قبل خمس سنوات ولكنه لم يكن ينتظر أبدا ان يضرب بحذاء صاحبه الذي جاء أصلا من أجل تغطية ندوة صحفية لرئيس أكبر دولة في العالم يحلم كل صحفي ان يشارك فيها. ورغم ان الرئيس جورج بوش الابن أراد التقليل من أهمية الحادثة إلا أنها في الواقع حملت دلالات سياسية لا يمكنه القفز عليها ولا حتى للسلطات العراقية المرحبة بمن أسماه الرئيس العراقي جلال الطالباني ب "الصديق الوفي للعراق" تجاهل رسائلها المشفرة كونها أكدت حقيقة موقف كل الشعب العراقي من احتلال أخلط الحسابات وأزهق الأرواح وهجر الآلاف ودمر الاقتصاد والأكثر من ذلك زرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد. وقد ذهب الرئيس الأمريكي إلى العراق ليجني ثمرة إنجازه الذي لا يفوت مناسبة إلا وتباهى بها ولكنه وجد نفسه يجني مقابل ذلك "زوج حذاء" و"قبلة وداع" هدية من عراقي يمقت الاحتلال ويرفض بقاء بلاده رهينة له. ويبقى مثل هذا التصرف حضاريا وديمقراطيا باعتراف بوش نفسه، فبدلا من رشقه بحبة بيض أوطماطم فاسدة فقد فضل الزيدي استعمال حذائه وهو الوسيلة الوحيدة التي تمكن من إدخالها إلى القاعة التي عقدت فيها الندوة الصحفية وكانت كافية لتجعل الرئيس الأمريكي يغادر العراق بحرقة في نفسه وغصة في قلبه لأنه حل بالعراق وهو يعتقد أنه حقق إنجازا هاما بإسقاط الرئيس صدام حسين. وتيقن الرئيس الأمريكي المغادر لحظة قدوم الحذاء الأول باتجاهه انه أخطأ التقدير باحتلال العراق وان ما أقدم عليه لم يكن قرارا صائبا، وتأكد أكثر لحظة مقدم الحذاء الثاني أن مغادرته العراق أفضل له من إطالة مدة زيارته. والمؤكد أن الرئيس بوش ذهب إلى أفغانستان في زيارة مفاجئة مماثلة حيث انتكاسته السياسية والعسكرية الأخرى وهو يحمل صورة حذاء الصحافي العراقي في ذهنه بل وبهوس الخوف من تلقيه لآخر من أفغاني يحمل نفس قناعات الصحافي العراقي وهو ما قد يجعل منظمي الزيارة إلى كابول يفرضون على الصحافيين الأفغان نزع أحذيتهم عند باب القاعة لتفادي حادثة بغداد التاريخية!.