أفرج أمس الانقلابيون في موريتانيا عن الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله ولكن بطريقة استنكرها مقربون منه والذين أكدوا أنه اقتيد عنوة إلى العاصمة نواقشوط في وقت كان يفضل البقاء في مسقط رأسه بمدينة لمدن على بعد 250 كلم جنوب العاصمة الموريتانية. وقضى الرئيس الموريتاني المطاح به 136 يوما تحت الإقامة الجبرية في العاصمة نواقشوط قبل أن يتم ترحيله إلى مسقط رأسه بالمدينة المذكورة تحت ضغوط دولية متزايدة تعهد على إثرها رئيس المجلس العسكري الحاكم الجنرال محمد ولد عبد العزيز في السابع من الشهر الجاري بإطلاق سراحه دون شروط مسبقة. وبقدر ما أعطت عملية الإفراج الاعتقاد أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح على طريق التوصل إلى تسوية نهائية للأزمة السياسية في إحدى أفقر دول العالم، إلا أن أسئلة تطرح حول ما إذا كانت عملية الإطلاق ستزيد في تعقيد الوضع أكثر مما هوعليه؟ وتستند مثل هذه القراءات إلى عدة معطيات أهمها أن القبضة بين الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي قاد انقلاب السادس أوت الماضي وبين الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ازدادت حدة بعد أن تمسك كل طرف بمواقفه الرافضة للإذعان لمطالب وشروط الآخر. وعرفت قضية الرئيس الموريتاني المخلوع هذا التطور في صيرورتها بعد أن أرغمت ضغوط المجموعة الدولية أعضاء المجلس العسكري الحاكم على إطلاق سراحه بعد أن اعتبرت مسألة إطلاق سراحه تبقى بمثابة شرطا أساسيا لمنع فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على موريتانيا المنهك اقتصادها قبل قطع كل العلاقات الدبلوماسية معها في حال أصر الانقلابيون على موقفهم. ومازال هؤلاء يعتبرون أن إطلاق سراح الرئيس ولد سيدي الشيخ عبد الله لا يعد بأي حال من الأحوال تراجعا عن موقفهم الرافض لعودته إلى السلطة وإنما جاء بمقتضى مساعيهم الرامية إلى الإعداد لمرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية جديدة. وهي المقاربة التي يصر الرئيس المطاح به من جهته على رفضها ويطالب بحقه في العودة إلى سدة الحكم قبل الحديث عن أية مساع لمناقشة الأوضاع السياسية في البلد. وسبق للرئيس ولد سيدي الشيخ عبد الله أن أكد أن أية ترتيبات يتم الشروع فيها تعتبر لاغية ومرفوضة، وهو الموقف الذي أيده فريق المراقبين الدوليين الذي انتقل إلى العاصمة نواقشوط في العديد من المرات منذ الإطاحة بالرئيس الموريتاني المنتخب. وأكد ممثلو الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الفرنكفونية ضمن مساعيها لإعادة الحياة السياسية إلى طبيعتها الدستورية في موريتانيا ، أكدوا على هذا الخيار كشرط مسبق لمنع فرض عقوبات اقتصادية إضافية على موريتانيا التي تعاني أصلا من تداعيات أزمة اقتصادية واجتماعية حادة بسبب ندرة مواردها الاقتصادية والمالية في عز أزمة اقتصادية عالمية جارفة. ويعد إطلاق سراح الرئيس عبد الله بعد 136 يوما من وضعه تحت الإقامة الجبرية بمثابة انتصار سياسي ومعنوي لهذا الأخير على خصومه من العسكريين وهو ما سيزيد دون شك من درجة تمسكه بموقفه بضرورة عودته إلى سدة الحكم شاء هؤلاء أم أبوا. وهو الخيار الذي أكدت عليه الجبهة الموريتانية المناوئة للانقلاب والتي وقفت في وجه العسكر منذ انقلاب السادس أوت الأخير. وقال الناطق باسم هذه الجبهة التي تضم أحزابا وشخصيات ورجال قانون وصحافيين وجمعيات من المجتمع المدني أن إطلاق سراح سيدي ولد الشيخ عبد الله يعتبر خطوة أولى باتجاه عودته إلى السلطة باعتباره الرئيس الشرعي للبلاد. وقال يحيى ولد سيدي مصطفى أن إطلاق سراح الرئيس الشرعي للبلاد لن يغير في شيء من الرزنامة السياسية للجبهة في إطار محاربة الانقلابيين إلى غاية رحيلهم وعودة الرئيس الشرعي. وضمن هذه الاستراتيجية عاد الرئيس المطاح به إلى مدينة لمدن مسقط رأسه مباشرة بعد إطلاق سراحه في العاصمة نواقشوط تمهيدا لعودته إلى العاصمة لتنفيذ استراتيجيته السياسية وآليات التعاطي مع الانقلابيين. وتأتي عملية إطلاق سراح الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله أياما قبل انعقاد الجلسات الديمقراطية في السابع والعشرين من الشهر الجاري التي دعا إلى تنظيمها المجلس العسكري الحاكم بهدف وضع رزنامة لعملية انتقال سياسية تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية. وهو ما عارضه الرئيس المنتخب معارضة قطعية وأكد أنه لن يشارك فيها وأنه سيعمل من أجل إفشالها والإطاحة بالانقلابيين. وقال أن كل مشاركة في هذه الجلسات تعني بشكل تلقائي تزكية العملية الانقلابية والرضوخ لسياسة الأمر الواقع التي يريد هؤلاء فرضها. وكشف في تصريح صحفي أنه سيعمل كل ما في وسعه من أجل حضور قمة رؤساء دول الاتحاد الإفريقي المنتظر عقدها نهاية الشهر القادم بالعاصمة الإثيوبية. بصفته الرئيس المنتخب لدولة موريتانيا.