حملت سنة 2018 الكثير من المفاجآت السياسية، كان أبرزها إزاحة رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق، السعيد بوحجة، من منصبه وتعويضه، بوافد شاب صنع الحدث كونه ليس من الأسماء التي تمتهن "الكولسة" و«التسلق أو التموقع". وامتدت موجة التغيير لبيت الحزب العتيد، بعد استقالة الأمين العام السابق، جمال ولد عباس، وحل جميع هياكل الحزب، من قبل رئيس الحزب السيد عبد العزيز بوتفليقة، وتشكيل قيادة موحدة للحزب، أسندت رئاستها إلى معاذ بوشارب. كما تميزت السنة سياسيا، بتضاعف المبادرات السياسية سواء لدى المعارضة أو المولاة، في ظل عدم وضوح المشهد حول الانتخابات الرئاسية التي يعتبر الجميع بوصلتها "إعلان رئيس الجمهورية نيته في التقدم لعهدة جديدة من عدمه"، مع عودة التحالف الرئاسي لدعم برنامج الرئيس، وتزامنه مع تعالي أصوات منادية بتأجيل الانتخابات الرئاسية وأخرى لتمديد العهدة. برزت عملية عزل الرئيس السابق للمجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة، يوم 24 أكتوبر الماضي، كأهم حدث سياسي خطف الأضواء داخليا وخارجيا في سنة 2018، بعد نشوب أزمة داخل قبة البرلمان، أخرجت نواب الموالاة مجتمعة وهي الأفلان الأرندي، الأمبيا، تاج والأحرار، للاحتجاج أمام مبنى البرلمان بعد أن فشلوا في الوصول إلى تسوية بالتراضي داخل أروقة الهيئة. وكانت تلك الاحتجاجات فرصة لعامة الشعب لمعرفة خبايا الغرفة السفلى للبرلمان، خاصة حين ترجل رئيس المجلس بدون مرافقة أمنية في العاصمة وجلس مع عامة الناس في مقهى "أودان"، ما جعل منه الموضوع الرئيسي لمواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب صورة تشميع المدخل الرسمي للمجلس الشعبي الوطني بالقفل "كادنة". واعتمدت الموالاة على مخرج قانوني متمثل في "توازي الأشكال" لتسوية أزمة البرلمان. ووقفت المعارضة في بداية أزمة البرلمان إلى جانب الرئيس المخلوع، لتختار فيما بعد الابتعاد عن الصراع الذي اعتبرته صراعا داخليا يخص أحزاب الموالاة وحدها. وهو السبب الذي جعلها تختار مقاطعة جلسة التصويت. وشهدت أزمة البرلمان استقالة عضو الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، لويزة إيغيل أحريز، احتجاجا على إزاحة السعيد بوحجة الذي لقي دعم بعض الأطراف والشخصيات على غرار المنظمة الوطنية للمجاهدين ونبيلة بن بولعيد، ابنة الشهيد مصطفى بن بولعيد. ولم تكتف السلطات العليا في البلاد بتزكية معاذ بوشارب كخليفة لبوحجة على رأس المجلس الشعبي الوطني، بل امتدت ثقتها فيه إلى تنصيبه من قبل رئيس حزب جبهة التحرير الوطني السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم 25 نوفمبر 2018، على رأس القيادة الموحدة للأفلان، بصفته "منسقا" للهيئة المسيرة للحزب التي ستتولى إعادة ترتيب البيت الأفلاني. حملة لمّ الشمل والمصالحة بين فرقاء الأفلان وأسس تنصيب بوشارب على رأس القيادة الموحدة للحزب العتيد بعد استقالة ولد عباس، لمرحلة مصالحة ولمّ الشمل، حيث باشر المنسق اتصالات مع قياديين ومناضلين تم إبعادهم في السابق على غرار الأمين العام الأسبق للحزب عبد العزيز بلخادم، عبد الكريم عبادة، صالح قوجيل، عبد رحمان بلعياط وقياديين آخرين، وذلك في إطار مسار التحضير للذهاب إلى مؤتمر استثنائي جامع. سنة المبادرات السياسية.. ومن جهة جبهة المعارضة، خطفت مبادرة التوافق الوطني التي أطلقتها حركة مجتمع السلم، الأضواء في 2018، خاصة لتضمنها نداء إلى المؤسسة العسكرية لمرافقة ما أسمته الحركة "مرحلة الانتقال الديمقراطي"، غير أن المؤسسة العسكرية التي فضلت النأي بنفسها عن السجال السياسي والترفع عن المعاركة السياسية الطاحنة، استهجنت مثل هذه النداءات، مذكرة على لسان نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بالمهام الدستورية المنوطة بها والمتمثلة في الذود عن الوطن وحمايته ومكافحة الجريمة بمختلف أشكالها. والغريب أن مبادرة "حمس" لم تجمع وجوه أرضية مزافران (2014) وإنما فرقتهم وزادت من الهوة بينهم، لدرجة أن رئيس الأرسيدي، محسن بلعباس، وصف مقري ب«الشارد عن السرب"، معتبرا مبادرته ب«الخطيرة والمهددة للديمقراطية كونها تدعو لتدخل الجيش في السياسية". ولم تتوقف "اجتهادات" مقري عند حد مبادرة التوافق، بل امتدت إلى مفاجأة الجميع أسابيع قبل نهاية السنة، بالدعوة إلى تمديد عهدة الرئيس بوتفليقة إلى غاية 2020، تحضيرا للإجماع وطني. ولم تقتصر مبادرات 2018 على حركة مجتمع السلم، بل امتدت حماها إلى أحزاب أخرى من المولاة والمعارضة، حيث أطلق الأفلان مبادرة الجبهة الشعبية الصلبة لتحصين الجزائر ودعم برنامج الرئيس بوتفليقة، وهي التي ضمت أحزاب التحالف الرئاسي الأربعة ومنظمات جماهرية وتوسعت فيما بعد لتشمل مجموعة (15+2) التي اختارت من جهتها شعار "الإصلاح والاستقرار". كما شهدت الساحة السياسية أيضا إخراج بعض الأحزاب لمبادراتها القديمة، مثلما هو الحال بالنسبة لحزب العمال الذي جدد مطلبه الخاص بالذهاب إلى جمعية تأسيسية، فيما ذكر الأفافاس بمبادرة الإجماع الوطني التي أطلقها في 2014. واستمر مسلسل المبادرات السياسية مع مختلف الأحزاب الأخرى، على غرار حركة البناء الوطني لتنتهي ببيت تجمع أمل الجزائر "تاج" الذي فاجأ رئيسه عمار غول وحلفائه في التحالف الرئاسي بدعوته إلى تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية والذهاب إلى ندوة وطنية جامعة يترأسها رئيس الجمهورية من أجل تشكيل إجماع وطني. ترقب الرئاسيات يثبط شهية المترشحين غيّب عدم اتضاح رؤية المشهد السياسي المرتبط برئاسيات ربيع 2019، طموح الأسماء الثقيلة للترشح لهذا المنصب الهام، في ظل استمرار حالة الترقب الشبيهة بالوضعية التي عرفتها الجزائر في 2014، في انتظار إعلان الرئيس بوتفليقة الترشح إلى عهدة جديدة من عدمه، خاصة وأن الدعوات والنداءات التي أطلقتها أحزاب التحالف ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات الثقيلة لتقدمه لعهدة جديدة لم تلق أي رد لحد الآن، ما يفسر "كسوف" شخصيات ذات الوزن الثقيل عن الموعد، وانحصار الراغبين في الدخول للسباق في أسماء ليست معروفة لدى الرأي العام الوطني ومنهم، فتحي غراس، ناصر بوضياف، بلعيد عبد العزيز، علي زغدود وعمار بوعشة. قوانين ترى النور وأخرى لاتزال حبيسة الأدراج على صعيد العمل البرلماني، ناقش ممثلو الشعب العديد من النصوص المنظمة للنشاطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مع تنظيم أيام برلمانية خصت مختلف المواضيع المطروحة على الساحة الوطنية، غير أن أهم المشاريع التي صنعت الجدل ورأت النور أخيرا بعد مخاض عسير بالبرلمان، مشروع قانون الصحة الذي أفرج عنه، بعد بقائه لسنوات في أدراج وزارة الصحة. ويعتبر قانون الدفع بعدم الدستورية هو الآخر، من النصوص الهامة لصالح الجزائر، حيث يعتبر تطبيق هذا المبدأ مكسبا ديمقراطيا يعزز حقوق الإنسان في البلاد، مع تكريسه للالتزامات الدولية للحكومة الجزائرية في مجال حماية حقوق الإنسان وتعميق الممارسة الديمقراطية. أما أعسر قانون صادفه نواب الشعب خلال سنة 2018، فيتعلق بمشروع قانون النظام الداخلي، الذي لايزال إلى غاية كتابة هذه السطور يدرس على مستوى اللجنة القانونية، وذلك على خلفية الجدل الذي صنعته الإجراءات العقابية المنصوص عليها في حق النواب غير المنضبطين، وخاصة منها نقطة خصم أجور النواب المتغيبين. وهو الجدل الذي انتهى بالوصول إلى رأي توافقي يخفف من حدة العقوبات وتركها للسلطة التقديرية لرئيس الكتلة.