* email * facebook * twitter * google+ تعرف خدمات سيارات الأجرة العديد من النقائص والتجاوزات التي أخلّت بهذه المهنة، وصارت محل انتقاد الزبائن الذين أكدوا لنا أن "الطاكسيور" يعمل بدون ضوابط، وقد كشفت لنا جولتنا في العاصمة، جانبا حقيقيا من هذه المخالفات التي يتعمّدها معظم العاملين في القطاع، ولا يزال إلا القليل منهم من يحترم هذه الخدمة، لكن الأغلبية يعملون ب«مزاجية" و«أنانية مصلحية"، بفرض أسعار خارج الأطر القانونية، لكن في المقابل يطرح سائقو سيارات الأجرة عدة انشغالات حصرناها في هذا الروبورتاج. تعمدتُ في هذا الروبورتاج أن أمثّل دور المواطن كي أرى الأمور على طبيعتها، فبمحطة الحراش تقربتُ من أحد السائقين الذي ركن سيارته بالقرب من البنك الوطني الجزائري، المحاذي للمجمع الإداري لبلدية الحراش، وقبل أن أطلب منه الخدمة، بادرني بالسؤال "إلى أين تريد الذهاب؟"، فأجبته بسؤال أيضا: "هل تعمل بالعداّد"، ليرد علي: "لا يا أخي... هذا لا يخدمني أنا أعمل بالتوصيلة"، لأرد عليه: " لكنك تعمل خارج القانون، فماذا لو أذهب إلى الشرطي (وكان قريبا منّا) وأطلب منه أن تعتمد العداد، ليجيب مبتسما: " بالقزول.... نعم أعمل"، هذه عينة من سائقي الأجرة الذين يجاهرون بخرق القانون ولا يخافون على مهنتهم. وبالقرب من ساحة بلدية الحراش، توقف أحد السائقين بالقرب منّي، فطلبت منه أن يوصلني إلى القبة، فرد عليّ بأنه يغطي وجهة باش جراح فقط، و«هل يمنعك القانون من الذهاب إلى القبة" سألته ليجيب بالإيجاب، محاولا استغبائي وهناك سائقون آخرون يبادرونك بالسؤال عن الوجهة قبل أن يسمح لك بالركوب" وهي عينات تؤكد التردي الذي وصلت إليه هذه المهنة التي صارت بدون ضوابط. عقوبات صارمة للسائقين المخالفين يتم تسليط عقوبات صارمة من طرف لجنة العقوبات التي تعقدها مديرية النقل كل أسبوع، وقد أطلعنا ممثلو النقابات على قائمة العديد من السائقين المخالفين لدفتر الشروط الذي يضبط هذه الخدمة، وتتصدر مخالفات رفض الخدمة وعدم تشغيل العداد أهم المخالفات التي تم بموجبها وضع سيارات الأجرة في المحشر لمدة تتراوح بين 30 و45 يوما، ويكون السائق المعاقب مجبرا على دفع قيمة 2000 دينار عن كل يوم، مما يكلفه ما بين 60 ألفا و90 ألف دينار. وتعترف نقابات سيارات الأجرة، بأن هناك تجاوزات كثيرة من طرف السائقين سواء تعلق الأمر برفض الخدمة أو عدم استعمال العداد، وفرض تسعيرة جزافية مبالغ فيها، لكن المواطن "الزبون" له ضلع في انتشار مثل هذه المخالفات، حيث أن البعض عندما يوقف سيارة أجرة يسأل السائق عن ثمن "التوصيلة"، أو عن وجهة السائق، رغم علمه أن القانون يخول للزبون الركوب والإفصاح فقط عن وجهته، دون استجداء صاحب السيارة. التجاوزات قائمة والحل في التبليغ عنها ويرى ممثلو النقابات أن غياب ثقافة التبليغ عن مثل هذه المخالفات، بتقييد شكوى لدى مصالح الأمن أو النقابات من شأنه أن يبقي على هذه التجاوزات، وأنه لو يقوم كل مواطن بتسجيل الرقم التسلسلي للسيارة أو رقم الرخصة الموضوع على بابي المركبة فإن لجنة العقوبات ستقوم بمهامها، ولن تهضم حق الزبون وبذلك يمكن تطهير الساحة من السائقين الذين لا يحترمون القانون ولا يشرّفون المهنة. وتتقاطع آراء النقابات مع تصريحات ممثلي الشرطة، حيث أكد لنا أعوان الأمن الذين وجدناهم بمختلف النقاط أن المواطنين يشتكون من هذه التجاوزات، لكن عندما يطلب منهم التبليغ رسميا لدى مصالح الأمن يتهربون من المسؤولية، وليس هذا فحسب يقول أحد أعوان الشرطة "بل عندما يتم ضبط أحدهم يتفاوض مع أحد الزبائن أو يقوم اعتماد ازدواجية الخدمة، (نقل جماعي لأشخاص ليسوا مع بعض)، يدافع المواطن الزبون عن السائق ولا يدافع عن حقه المهضوم. رخص الاستغلال.. مشكل مطروح ويشكو سائقو سيارات الأجرة مشكل كراء رخص سيارات الأجرة التي بقيت حكرا على المجاهدين وأبناء الشهداء وذوي حقوقهم، الذين صاروا حسب النقابات يفرضون أسعارا لا تتوافق مع ذلك الذي حددته الدولة (1000 دينار شهريا)، فقد بلغ الأمر ببعض أصحاب الرخص إلى حد فرض مبلغ 5000 دينار شهريا مع تسبيق مالي لمدة سنة كاملة رغم أن القانون يمنع هذا الشكل من التعاقد، ويقر بأن التسديد يكون شهريا، لأن الرخصة قد تموت بوفاة صاحبها ويمكن عدم تجديدها للسائق من طرف صاحب الرخصة، وفي هذا الصدد ذكر لنا أحد النقابيين أن هناك من يستأجر الرخصة لمدة أكثر من 10 سنوات، ويتم سحبها منه لسبب أو لآخر، ليصبح "الطاكسيور" بعدها بطالا عندما يعجز عن الحصول على رخصة أخرى، ولذلك تطالب النقابات بإعادة النظر في مثل هذه الإجراءات، لحماية مستأجري الرخص من المساومات التي يفرضها مالكو الرخصة، والتفكير في إيجاد حل آخر يعود بالفائدة على الخزينة العمومية من خلال تكفّل المصالح العمومية بكراء هذه الرخص وفق شروط محددة، منها أن المستفيد منها لا يكون موظفا أو متقاعدا كي يترك الفرصة للبطالين لاسيما الشباب، وفي هذا الإطار ذكر محدثونا أن عشرات الآلاف من الملفات المودعة لدى مديرية النقل، يطلب أصحابها حصولهم على "رخصة المقاعد" التي تتطلب تحقيقا أمنيا عن طالب الرخصة، ومنه خضوعه لتكوين لمدة نصف شهر، يتعلم خلالها العديد من المعارف المتعلقة بالإجراءات الأمنية وأخلاق المهنة وغيرها، لكي يكون مؤهلا للعمل في هذا القطاع. سيارات 806 و807 المحجوزة تقطع أرزاق السائقين وجد سائقو سيارات الأجرة للمسافات الطويلة (ما بين الولايات) مشكلا كبيرا إزاء توقيف نشاطهم، وحجز سياراتهم من طرف مصالح الدرك والجمارك، التي اعتبرتها سيارات مشبوهة لا تحوز وثائق سليمة، في هذا الصدد ذكر لنا رئيس الاتحادية الوطنية لسائقي سيارات الأجرة المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، محمد بلخوص، أن نقابته تسجل أزيد من 200 حالة تعرض فيها سائقو سيارات الأجرة،منذ 4 سنوات، إلى حالات توقيفهم في حواجز أمنية للسلكين المذكورين، حيث تم إنزال الركاب وتوجيه المركبة مباشرة إلى المحشر، فيما تؤكد النقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة والناقلين التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، أنها تسجل أزيد من 800 سيارات صودرت بسبب هذا المشكل العويص الذي لم تجد له الدولة حلا، وراح ضحيته مئات المهنيين من ولايات الشلف، سطيف، البليدة، المسيلة، تيسمسيلت، سيدي بلعباس، الجلفة وغيرها، حيث توقف نشاطهم. وذكر لنا ممثلو النقابات أنه تم طرح هذا المشكل على وزير النقل، الذي وعد بتحويل الملف إلى الوزير الأول، الذي حسب محدثينا أعطى تعليمات بفتح تحقيق في هذا الأمر لكن لا شيء تغير لحد الآن. سيارات "الطاكسي المخفي" تغزو المدن .... نشاط موازٍ ينمو في غياب الرقابة.. لم يعد خافيا على أحد أن ظاهرة سيارات الأجرة غير المرخصة أو ما يعرف ب«الكلوندستان" أو "الفرود"، انتشرت بشكل محسوس بالعاصمة، على غرار باقي مناطق الوطن، وصارت مهنة من لا مهنة له وأصبحت بعض الأماكن معروفة لدى العام والخاص بهذه الخدمات التي طالما انتقدها أصحاب سيارات الأجرة الرسميون وطالبوا بإزالتها، معتبرين إياها منافسة غير شريفة. لا تخلو اليوم، أي بلدية بولايات الوطن من ظاهرة سيارات "الطاكسي المخفي"، وقد اتخذ أصحاب هذه المهنة العديد من النقاط مزاحمين بذلك أصحاب سيارات الأجرة بطريقة غير قانونية، ورغم الحملات التي تشنّها مصالح الأمن والدرك لإزالة هذا النشاط إلا أن أصحابها يعاودون الكرّة كلما اختفت القوة العمومية التي تطبق القواعد القانونية. محطة الحراش: وجهات متعددة في غياب الرقابة ففي بلدية الحراش بولاية الجزائر، لاحظنا أن الرصيف المقابل لساحة البلدية بقلب المدينة صار منذ سنوات، مكانا مفضّلا ل«الكلاندستان" جنبا إلى جنب مع سيارات الأجرة، رغم أن إشارة المرور الموضوعة تدل على "منع الوقوف والتوقف"، وما إنْ يحضر أعوان الشرطة تعود الحركة إلى طبيعتها ويذهب السائقون إلى حالهم، لكن يصطفون بسياراتهم على حافة الطريق بعد صلاة العصر، وإلى وقت متأخر من الليل، وكذا في الصباح الباكر، وينتظرون زبائنهم الذين صاروا يعرفونهم ويتواصلون معهم عبر الهاتف، حسبما أسر لنا أحدهم، تقدم نحوي لمّا رآني واقفا أمام الرصيف، فمنهم من يغطي وجهة باش جراح، ومنهم من يغطون وجهة المنظر الجميل وآخرون لكل الوجهات وفقد طلبات الزبائن. محطتا الخروبة السكوار.. رغم المطاردات الخدمات قائمة وفي زيارتنا إلى محطة الخروبة، بالقرب من بوابة محطة الحافلات "معطوبي جيش التحرير الوطني"، المشهد نفسه، إذ لا يخلو الرصيف الممتد بين محطتي الحافلات ومحطة سيارات الأجرة لما بين الولايات من هذه السيارات، فما إنْ يخرج المتردد على المكان من بوابة فإنه يجد العديد من المركبات المركونة بالمكان، وبالقرب منها أصحابها يلوحون بالمفاتيح، ويرددون عبارة "هيا طاكسي.. هيا طاكسي" ، ويعرضون خدماتهم، وعندما تحدق في وجه أحدهم يبادرك بالسؤال " أين تريد الذهاب.. نحن في الخدمة... تعال أساعدك"، وهي العبارات التي يفتقدها المواطنون لدى أصحاب سيارات الأجرة الرسميون الذين يبالغون في التسعيرة خارج الأطر القانونية، وقد لا يختلفون في الواقع عن "الكلندستان". «الكلوندستان" و«الطاكسيور" يتقاسمون المحطة في بلدية برج الكيفان، توجد العديد من النقاط التي يركن بها أصحاب "الكلوندستان" سياراتهم منها حي الضفة الخضراء، والذين استحدثوا خطا نحو قلب العاصمة بمحطة السكوار، وكذلك الأمر بالنسبة لمنطقة قهوة شرقي ببلدية برج البحري، حيث يتقاسم الرصيف بالقرب من المحطة الحضرية لنقل المسافرين، أصحاب الخدمات الرسميون وغير الرسميين ولا يغادرون إلا عندما يحضر أعوان الشرطة الذين يعيدون الأمور إلى طبيعتها، لكن في كل الأحوال، فإن المواطنين يؤكدون أنهم وجدوا ضالتهم في هذه "السيارات المخفية"، لكونها أقل تكلفة من سيارات الأجرة. من الكاليتوس إلى السكوار ب120 دج مع "الفرود" وببلدية الكاليتوس صارت محطة "الراديو" القريبة من عمارات "عدل" نقطة لتوقف سيارات "الكلوندستان" بالطريق المؤدي إلى حي 500 مسكن، وأخرى بجوارها في الجهة المقابلة للطريق الوطني رقم 08، وهي النقطة التي يغطي من خلالها عبر خط مباشر نحو محطة السكوار بقلب العاصمة، وقد وجد الكثير من المواطنين ضالتهم في هذه السيارات، حيث ذكر لنا أحد المواطنين العاملين بإحدى الشركات الوطنية بقلب العاصمة، أنه لم يعد يستعمل سيارته الشخصية لأنه لم يعد يطيق الاختناق المروري، خاصة بمحور الطريق الوطني رقم 8 المار بوسط بلدية الكاليتوس، وأنه يفضّل إنفاق 240 دينارا يوميا، أفضل وأريح له من أن يستقل سيارته ويعود في آخر اليوم منهك القوة. حظيرة المطار... نقطة "الفرود" ولا يخلو مطار هواري بومدين من هذه الظاهرة إن لم نقل صار بؤرة كبيرة لهذه الخدمات، حيث وجد أصحابها حظيرة السيارات مكانا لائقا يركنون فيها مركباتهم ويتقدمون عند بوابات الخروج من ردهة المطار، ويعترضون طريق المسافرين يشهرون مفاتيحهم في أيديهم، ويعرضون عليهم خدماتهم، وهو ما لم يستسغه أصحاب سيارات الأجرة بمحطتهم المجاورة والذين أكدوا لنا أنهم اشتكوا مرارا من هذه الظاهرة لكن لم يتم إزالتها، معتبرين ذلك منافسة غير شريفة وضربا مباشرا لمهنتهم.