البحث عن اصطياد زبون دوّخته الحرارة هو القاسم المشترك هذه الأيام بين سائقي سيارات الأجرة والكلونديستان، والتسعيرة تعدّ من بين أهم عوامل المنافسة، ما دفع أغلب سائقي سيارات الأجرة لوقف العمل بالعدّاد، معلنين ''الحرب'' على من يصنّفونهم بأنهم سائقون غير شرعيين. من خلال الجولة التي قادتنا لمختلف محطات نقل المسافرين بالعاصمة، اعترف أغلب سائقي سيارات الأجرة بأنهم لا يحترمون العمل بالعدّاد، مفضلين الطريقة التي يعتمدها منافسوهم ''الكلونديستان''، وهي ''الكورسات''، وذلك بحجة أن الضرورات تبيح المحظورات على حد تعبير الطاكسيور علي بمحطة ساحة أول ماي. يقول علي: ''العمل بالعدّاد لا يغطي مصاريفي اليومية، الأمر الذي جعلني ألجأ إلى العمل بنظام ''الكورسة'' أو التوصيل بمقابل مقطوع، لضمان تغطية اشتراكات الضرائب على الأقل''، ضاربا مثالا بتسعيرة نقل زبون إلى محطة الخروبة باستعمال العدّاد، والتي تقدر ب70 دينارا فقط، في حين أن التسعيرة من خلال ''الكورسة'' تقدّر ب400 دينار. ونحن بصدد الحديث مع علي، اقتربت منه عجوز طاعنة في السن والعرق يتصبّب من جبينها بسبب الحرارة، مستفسرة عن تسعيرة نقلها إلى مركز طبي ببلدية بوزريعة، ففاجأها بأنه ينقلها توصيلة وبمبلغ 800 دينار. فما كان على العجوز سوى الاتجاه إلى محطة النقل الحضري ''إيتوزا''. وما هي إلا ثوان حتى اقترب منه زبون آخر، وهو شاب في مقتبل العمر، مستفسرا عن تسعيرة توصيله إلى جامعة بوزريعة. وبمجرد أن أخبره السائق أنه لا يرضى بأقل من 600 دينار، غادر المكان. ويتفادى أغلب سائقي سيارات الأجرة المسالك المزدحمة، أو المهترئة، وهو ما أكده لنا أمين بمحطة ساحة أودان وسط العاصمة، قائلا: ''بصراحة، العمل بالعدّاد يفلسني، وأتفادى الطرقات المزدحمة أو المهترئة، في حين أن التوصيلة بالكورسة توفر لي بعض المال لتأمين مصروفاتي العائلية. كما أن منع نقل عدة زبائن مرة واحدة (الجوملاج)، من بين أهم الأسباب التي حوّلتنا من سائقي الطاكسي إلى كلونديستان''. وفي محطة العاشور، بأعالي العاصمة، فاجأنا بلال، سائق سيارة أجرة، بقوله: ''شكليا، مهنتي سائق سيارة أجرة، ولكنني في الميدان كلونديستان، فقد تحصلت على رخصة سائق سيارة أجرة بشق الأنفس، لكنني أفضل العمل ككلونديستان لتأمين مصروف الجيب''. أما السائقون غير الشرعيين أو ''الكلونديستان'' الحقيقيون، فيرون أن الزبائن أصبحوا يفضلونهم على سائق الطاكسي، لأنهم يعرضون أسعار معقولة وينقلونهم إلى أي مكان يريدونه. في هذا السياق، يقول الكلونديستان عبد الله، وهو شاب في 34 من العمر، يتخذ من إحدى زوايا ساحة أول ماي مكانا لركن سيارته عارضا خدماته على الزبائن: ''تحصلت على شهادة تكوين في سياقة سيارة الأجرة، ولكن صعوبة الحصول على رخصة المجاهدين حرمتني من مهنة الطاكسي''. عبد الله يمارس مهنة الكلونديستان منذ 10 سنوات، وهو يصطاد كما قال الزبائن اصطيادا، ويغريهم بأسعار ليست كالتي يفرضها سائقو سيارات الطاكسي، على حد تعبيره. ويشاطره الرأي زميله في المهنة نبيل، الذي أنصف سائقي سيارات الأجرة عندما قال: ''نحن الذين نزاحم سائقي سيارة الأجرة، ولكن طريقة عمل الكلونديستان أفضل بكثير من عمله، بالنظر إلى المصاريف الملقاة على عاتقه''. وبباب الزوّار بالعاصمة، وبالضبط بسوق دبي في حي الجرف، أين يقابلك كلونديستان يدوّر بين أصابعه مفاتيح سيارته في كل مكان، تفاوض أحد الزبائن مع الكلونديستان مجيد، فعرض عليه توصيله إلى الرغاية مقابل 500 دينار. وحدثنا مجيد أن الخدمات التي يقدمها الكلونديستان للزبون أفضل من سائق الطاكسي، خاصة من حيث التسعيرة، ونقله إلى أي مكان يريده. نقابة ''الطاكسيور'' تستنكر! نقلنا هذه الشهادات والحالات إلى رئيس الاتحادية الوطنية لسائقي سيارات الأجرة، السيد حسين آيت ابراهيم، الذي استنكر تصرفات بعض أصحاب سيارات الأجرة الذين لا يحترمون العمل بالعدّاد، مرجعا السبب إلى قيمة التسعيرة المنخفضة التي لا تغطي مصاريفه، ليكشف أنه يتم توقيف 15 سائق سيارة أجرة أسبوعيا كعقوبة، لعدم احترام العمل بالعدّاد، موضحا بأن ''وجود الكلونديستان ليس حجة لعدم احترام القانون''.