العيش في الحلم والهروب من الحقيقة وسيلة ينتهجها الكثيرون هربا من الواقع العسير، فيتلذّذون بحياة صنعها خيالهم ويتأقلمون معها حتى أنّهم قد لا يودّون الخروج منها وقد يخرجون فهل يندمون؟ قدّم أوّل أمس المسرحي علي تامرت قراءة لنصه الثاني "بيت الصابون" في منتدى "صدى الأقلام" للمسرح الوطني الجزائري، والنصّ المكتوب بالعامية يتحدّث عن هاني وهانية، زوجان يعيشان ظروفا اجتماعية صعبة ولكن هل من أمل في حياة أفضل، بل في حياة وكفى! هانية تحمّلت كثيرا هاني، فهما ليسا أبدا اسما على مسمى، بل حياتهما كلها تنغيص في تنغيص، يعيشان في "بيت الصابون" الذي كان له دور محدّد في زمن من الأزمنة وتحوّل الآن لظروف معيّنة إلى منزل أو شبه منزل يحتمي به هاني وهانية - أحسن من العيش في الشارع !-، لطالما ناما وبطنيهما خاويين، ولطالما تعذّبا من القرّ الشديد والحرّ اللافح، ولكنّهما على الأقل ينامان وبالهما مرتاح، ولكن يا حبذا لو كان لهما المال، حفنة من دنانير، قليل من النقود تعيدهما إلى الحياة الكريمة، فيا ليت ويا ليت؟ هاني وهانية يتشاجران، هكذا يقضيان وقتهما في الشجار لملء الفراغ، هذه المرة السبب يكمن في "الشمّة" حبيبة هاني وعدوة هانية، رمت هانية الشمّة في المرحاض وغضب هاني وخرج في منتصف الليل لشراء الشمّة وعاد إلى "البيت" وهو في كامل السعادة، كيف لا يكون سعيدا وقد فاز بمسابقة "حك تربح" هكذا من دقيقة لأخرى أصبح فاحش الثراء. هي الحياة تبتسم لهاني وهانية، أم أنّها تبتسم فقط لهاني الذي قرّر تغيير حياته من الألف إلى إلياء والبداية طبعا بالزواج من أخرى، بل من أخريات، فتغضب هانية وتقرّر الانتحار وتتراجع عن قرارها بوعد من هاني في تقاسم الغنيمة، حسنا ليفكّر الزوجان في مشروع معيّن يزيدهما ثراء، يفكران، يتشاجران ومن ثمّ يتّفقان على مشروع مميّز "أن يترشّح هاني للرئاسيات"، ويتمكّن من تحقيق ذلك، بل حتى من الفوز.. ولكن ما مصدر هذه الدقات التي يسمعها هاني وهانية؟ تراها قنبلة تريد إنهاء عهدة الرئيس التي ما تزال في بدايتها؟ ويتحسّر هاني وترتعد هانية من الخوف، ويكتشف الزوجان أنّ مصدر الدقات لا يعود إلى قنبلة، بل إلى منبّه، نبّه الجميع بانتهاء الحلم والعودة إلى الواقع. للإشارة، قدّمت الشاعرة فضيلة زياية الملقبة ب"الخنساء" قبل قراءة المسرحية، مجموعة من القصائد من ديوانها الذي نظّمته سنة 2007 وعبّرت من خلاله عن حال العرب وبالأخص حال فلسطين التي تعاني غزّتها من إبادة حقيقة لا حلم ولا خيال فيها.