* email * facebook * twitter * linkedin بلغ عدد بطاقات الدفع المسلمة من طرف البنوك 2.2 مليون بطاقة إلى غاية نهاية جوان 2019، فيما تم تسجيل أكثر من 21 ألف نهائي للدفع الإلكتروني و32 موقعا تجاريا إلكترونيا مرخص له، وفقا للحصيلة التي قدمتها هيئة ضبط النقد الآلي. أرقام تعكس التأخر الكبير الذي تعرفه بلادنا في هذا المجال، مثلما أجمع عليه أساتذة جامعيون وخبراء، والذين أكدوا أن هذا الوضع راجع إلى هيكلة الاقتصاد الوطني الذي مازال يطبعه الانتشار الواسع للسوق الموازية وغياب الشفافية في المعاملات التجارية. عوامل شكلت أرضية خصبة لازدهار الفساد. في يوم دراسي نظم أمس، بالجزائر حول "الدفع الإلكتروني بالجزائر: رؤية اجتماعية واقتصادية"، كشف المدير العام لهيئة ضبط النقد الآلي مجيد مسعودان، أن الإحصاءات المتعلقة بالدفع الإلكتروني في السداسي الأول من السنة الجارية، تبين تسجيل 4.8 مليون عملية سحب و121925 عملية دفع جواري و90723 عملية بيع عبر الأنترنت. وبالرغم من ملاحظة وجود ارتفاع في الأرقام، فإنها تظل بعيدة عن الطموحات المعبر عنها في هذا المجال، لاسيما بعد استكمال المنظومة التشريعية التي تدعمت بعدة نصوص قانونية منذ 25 سنة، آخرها كان المصادقة على قانون التجارة الإلكترونية وكذا وضع مادة في قانون المالية 2019 تلزم التجار بالتزود بنهائيات الدفع الإلكتروني مع نهاية السنة الجارية. ولهذا الوضع أسباب متعددة، فصل فيها المتدخلون في هذا اليوم الدراسي، حيث تحدث السيد مسعودان عن ضرورة تطوير البنى التحتية للدفع الإلكتروني، مع تنويع المنتجات والحلول المقدمة للزبائن وكذا إرساء "الثقة" في هذا النظام وتطوير الموارد البشرية العاملة في هذا المجال، مشيرا إلى أن الهيئة التي يديرها تعمل على تنويع العرض، من خلال اقتراح أنواع جديدة من بطاقات الدفع وكذا تطوير نظام الدفع عبر الهواتف النقالة...الخ، كما تعمل الهيئة على التحسيس لاسيما في وسط التجار بمزايا اللجوء إلى نظام الدفع الإلكتروني. لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة، كما أجمع عليه الأساتذة والخبراء. فالهيكلة الحالية للاقتصاد الوطني لا تحفز التجار على التخلي عن النظام التقليدي، أي التعاملات المالية العينية، بل بالعكس. فبعد قرابة 30 سنة من إطلاق أولى القوانين المتعلقة بالدفع الإلكتروني،"مازال الاقتصاد قائم على التعامل بالسيولة النقدية"، أي أن "لا شيء تغير"، كما أشارت إليه الأستاذة بكلية العلوم الاقتصادية مليكة صديقي، التي اعتبرت أن السبب في ذلك هو المزايا التي يقدمها نظام الدفع الإلكتروني وهي بالخصوص "الشفافية في المعاملات وتراجع السوق الموازية وتطوير التجارة الإلكترونية".أمور لا يبدو أن الاقتصاد القائم على الريع يحبذها. ويعكس هذا الوضع، مثلما أضافت "وجود نقص في الثقة من جهة ومقاومة من جهة ثانية إزاء تغيير السلوكيات القديمة"، كما أن الهيكلة الحالية للاقتصاد الجزائري والتي تتميز خصوصا بالمكانة الواسعة للسوق الموازية ونقص إيداع الأموال بالبنوك ونقص الشفافية في المعاملات المالية والتجارية، تقف حجرة عثرة أمام محاولات تغيير سلوكيات الجزائري وحتى ثقافته في هذا المجال. وهو الرأي الذي شاطره إياها الأستاذ والخبير الاقتصادي محفوظ قبي الذي قال إن "اقتصادنا يشجع استعمال السيولة"، معتبرا أن الإصلاحات الواجب القيام بها لا يمكن أن تكون مالية فقط وإنما كذلك "هيكلية". وأشار على سبيل المثال إلى أن التاجر الذي سيلجأ إلى نظام الدفع الإلكتروني يكون قد اختار سبيل "الشفافية" في حين أن التاجر الرافض لهذا النظام سيكون بإمكانه "الغش" لاسيما في التصريحات الجبائية، وهو ما يعني وفقا له - خسارة الأول مقارنة بالثاني. وفي السياق، عبر عن اقتناعه بأن قضايا الفساد التي تشهدها بلادنا تؤكد اليوم "وجود مقاومة للذهاب نحو أنظمة شفافة وتنافسية وتحبذ الاستمرار في النموذج الاقتصادي الريعي". لكنه بالمقابل، أكد إمكانية تدارك التأخر الذي تسجله الجزائر، في حال سمحت المرحلة الحالية بإفراز "حكومة واعية" تعمل على الذهاب بسرعة نحو "اقتصاد تنافسي مع إطلاق إصلاحات في كل القطاعات"، معتبرا أن الجزائر توجد حاليا "في مفترق الطرق، إما نذهب إلى نظام اقتصادي جديد أو نبقى في عقلية الريع". من جانبه، اعتبر الأستاذ الجامعي والدكتور في الاقتصاد عبد الرحمان عية، أن "رجال الأعمال" ساهموا بشكل كبير في تفشي ظاهرة تفضيل استخدام السيولة في التعاملات، بل إنه ربط بصفة مباشرة بين "اللجوء إلى التمويل غير التقليدي وتأخر التعامل بنظم الدفع الإلكتروني". وأوضح في هذا الصدد قائلا "إن مشكلة الجزائر أن رجال الأعمال يطلبون قروضا من البنوك ليحولونها إلى أموال مكدسة في الأكياس" أو ما يعرف بظاهرة (الشكارة). لكن ممارسات البنوك وطريقة أدائها، تعد هي الأخرى عاملا من العوامل التي شجعت على تفضيل التعامل خارجها بعيدا عن الأنظمة العصرية التي باتت منتشرة في كل العالم. وهو ما تطرق إليه كل المتدخلين في اللقاء، الذين أجمعوا على أن البطء والبيروقراطية واحتكار القطاع العمومي للبنوك، ساهم في إرساء حالة "انعدام الثقة" لدى الزبائن الذين يجدون سهولة أكثر في التعامل نقدا بدل استخدام الصكوك أو بطاقات الدفع الإلكتروني أو حتى الدفع عبر الأنترنت. فمن الغرائب المسجلة مثلا، أن المواقع التي تبيع عبر الأنترنت ما زالت تتعامل هي الأخرى بالدفع النقدي المباشر عند التسليم. وهو ما يوضح مثلما أشاروا إليه - مدى التأخر ونقص الثقة في الدفع الإلكتروني الذي أمامه سنوات كثيرة على ما يبدو ليصبح واقعا جزائريا.