فتح المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر فضاءه منذ الأربعاء الماضي، لريح جنوبية قادمة من أمريكا اللاتينية وبالضبط من البيرو بلد الخضرة والمياه والطبيعة العذراء والتاريخ الإنساني العريق، ليحدث لقاء سحريا بين عشّاق الريشة وأطياف لونية صاغها الفنان سارجيو سيلفا كخاهوارنغا. حمل الفنان البيروفي المتميّز كخاهوارنغا، ما يقارب العشرين لوحة ليعرضها أمام من تستهويهم الريشة والألوان بالجزائر، ومنحها عنوان "الإنسان، الفن والايكولوجيا"، وانتهج فيها الأسلوب التجريدي الذي يحمل من خلاله الناظر في رحلة سحرية متدرجة بين الماضي والحاضر بعيدة عن الواقع رغم استقاء عناصرها من تعرّجاته، عبر مزيج من الألوان الحارة في أغلبها يطغى عليها الأحمر والبرتقالي والأصفر... لتعبّر بطريقة حميمية للغاية عن اندفاعات الفنان وتجيّشاته الروحية. فالناظر للوحات سارجيو سيكتشف لا محالة تأثّره بعلم الآثار وعناصر أسلافه "الأنكا" وسعيه برهافة حسّ عالية إلى استحضار علاقة الإنسان بالكون في لوحات يتجلّى فيها ضعف وصغر الإنسان أمام عظمة وجبروت الكون، ويسعي هذا الإنسان الضعيف إلى النخر في جسد الكون وتحطيم كلّ شيء جميل ذلك من جهة، وبالمقابل يبرز من جهة أخرى علاقة هذا الإنسان بالطبيعة وسيرورة تطوّرهما معا، ومن ثمّ فأعمال سارجيو صرخة تنبيهية للأخطار الجسيمة التي تهدّد البيئة عبر مزيج من الألوان والأشكال والمواد والفضاءات الطبيعية والرسمية والفكرية مولّدة في تناغم كبير تحفة فنية متعدّدة الأبعاد. وقد شكّلت الألوان الزيتية والحمضية وتراب المناطق الأمازونية أسلحة الفنان الرئيسية في الدفاع والتعبير عن مكنوناته التي تفجّر طاقة الحركة والإنشاء والدمار، لكن التميّز الحقيقي للفنان يكمن في قدرته على التدرّج بين الواقع والتدريج عندما يترجم علم الآثار البيروفي إلى شيء تجريدي، وإيجاد مكان وسط بين البينين، وسلطته البديعة في تحديد التباين اللوني الظاهر بين الضوء والخيال، فالمتمعّن في "فضاءات غامضة"، "بين النور والظلام"، "صور عبر الزمن"، "عالم التفكير"، "لقاء طبيعي لأربعة عناصر"، "منظر ساحر"، "تباينات منتصف النهار"، "بين السماء والبحر"، "التحام"، "شعاع سحري"، "بين الخرافات والأساطير"، "حلم خريفي"، "شهادة من الماضي"، "ذكرى في صحراء نزاكا"... يشعر وكأنّه متواجد وسط غابات الأمازون ومنحدرات جبال الإنديز وسواحل المحيط الهادي ... وعن عمله هذا، قال الفنان سارجيو سيلفا كخاهوارنغا "في بادئ الأمر كان عملي المصوّر مستلهما من علم الآثار ولا اعتقد أنّني تمكّنت من فصل الموضوع عن هذا الأخير كليا وبخاصة مواطن علاقة الإنسان بمحيطه، وهي علاقة لطالما أثارت تساؤلات عدّة قادت أجوبتها إلى نوع من التجاوب المميّز والتجانس "إنسان وبيئة " ولربما إلى حلم التعايش الحقيقي بينهما"، مضيفا أنّ الإنسان والبيئة يندرجان في خضم عالم ايكولوجي يقوم على نظام دائري مستقر تتفاعل فيه الكائنات الحية والجامدة، وهو ما يفسّر استعماله المستمر للدوائر والنقاط على امتداد لوحاته المختلفة. وفي تحديده للهدف الأساسي أوالنتيجة التي يصبو للوصول إليها من خلال أعماله أشار الفنان إلى أنّها تكمن في القدرة على ترجمة المحيط الفيزيائي الذي يحتوي على مجموعة عناصر الضوء، الرطوبة، الأكسجين، المواد العضوية، التراب والماء وغيرها من العناصر التي مرّت بعدّة مراحل وتطوّرت عبر 300 مليون سنة (عمر الكون) بما فيها الإنسان الذي سيبقى عاملا أساسيا في هذا التغير، فالأحياء -يقول الفنان- سواء أكانت نباتا أوحيونا مرّت بمراحل تطوّر من أجل التأقلم والبقاء في سياق معيّن من العوامل البيئية، والإنسان بفضل ذكائه الذي يميّزه عن سائر المخلوقات عرف كيف يتأقلم مع مختلف البيئات المناخية للبيئة الفيزيائية. لذلك اعتبر الفنان البيروفي أنّ التغلغل في ضمير الجمهور ووعيه للبيئة هو الهدف الأساسي لعمله وذلك حتى تتواصل الديناميكية التي يتميّز بها العالم والإنسان عبر التاريخ والزمان في حلقة من التواتر والتعايش الأبدي، لذلك يعتبر الفنان نفسه يقوم ب "نضال ضمني". يذكر أنّ سارجيو من مواليد سنة 1969 بليما، خريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة بالبيرو، يحمل أربع شهادات في الرسم، الرسم الزيتي، الرسم الجداري والرسم التخطيطي، شارك في العديد من المعارض المحلية وكذا الدولية التي قادته لمختلف الدول على غرار الصين، ألمانيا، سويسرا، الدنمارك، تونس، مصر، الولاياتالمتحدةالأمريكية، اسبانيا، كندا، اندونيسيا، وقد سبق له العرض بالجزائر مرتين برواق "الفنون" و"قصر رياس البحر"، كما حصد الفنان العديد من الجوائز والتصنيفات. وللإشارة فأنّ معرض "الإنسان، الفن والايكولوجيا" لسارجيو سيلفا كخاهوارنغا الذي تتواصل فعالياته إلى 27 مارس المقبل تمّ افتتاحه من طرف وزيرة الثقافة خليدة تومي بحضور سفير البيرو بالجزائر السيد خوسي براون أرانبار.