* email * facebook * twitter * linkedin حمل الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون العديد من النقاط القوية بخصوص السياسة الخارجية للجزائر، والتي تأتي في مقدمتها قضايا الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية، فضلا عن الأزمة الليبية التي مازالت تعرف انسدادا بسبب التدخل الأجنبي في هذا البلد، حيث ركز الرئيس الجديد على استعادة الدور الإقليمي للجزائر في قضايا مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والإتجار بالمخدرات وتبييض الأموال، لاسيما في منطقة الساحل الإفريقي التي تعد مرتعا خصبا لانتشار الجماعات الإرهابية بسبب الفوضى التي تعرفها المنطقة. وليس صدفة أن يتزامن تصريح رئيس الجمهورية بخصوص الملف الليبي، مع مطالبة حكومة الوفاق الليبية الجزائر مساعدتها في التصدي للهجوم العسكري الذي تشنه قوات المشير المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس منذ الرابع أفريل الماضي، حيث أكد الرئيس المنتخب أن الجزائر تبقى "أول وأكبر المعنيين باستقرار ليبيا أحب من أحب وكره من كره"، كون ليبيا تمثل للجزائر عمقا استراتيجيا وحجر الزاوية في أمنها القومي، فضلا عن أنها تملك رؤية في حل النزاعات الإقليمية مثل أزمة مالي، كما لديها خبرة في التعامل مع المجموعات المسلحة ومحاربة الإرهاب. وكان رئيس الجمهورية صريحا بخصوص هذا الملف لاسيما وأن الجزائر أشرفت لسنوات رفقة دول الجوار على بحث الحلول المناسبة للمعضلة الليبية، بل كثيرا ما حظيت جهودها بترحيب من قبل أطراف ليبية أعربت في العديد من المرات عن ثقتها في نوايا الجزائر في ظل تعدد الأجندات الأجنبية ودول لا تمت بصلة لهذه الأزمة لا من الناحية الجغرافية ولا من الناحية الجيواستراتيجية. وتستند قناعة الأطراف الليبية، إلى أن الجزائر لم تنحاز ولم تتورط في الشأن الليبي منذ 2011، كما لم تدعم أي طرف ضد طرف آخر، مما جعلها وسيطا نزيها ومقبولا من جميع الأطراف. ويأتي تصريح الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، بعد أن سجل استبعاد الجزائر خلال الفترة الأخيرة من هذا الملف لاسيما بعد عدم دعوتها لحضور اجتماع برلين حول الأزمة الليبية شهر أكتوبر الماضي، مما أثار استغراب الكثير من الأطراف الليبية نفسها، حيث استغلت بعض الدول الوضع السياسي للبلاد لرسم أجندات قد لا تخدم مصلحة الشعب الليبي، فضلا عن تقوية شوكة الإرهاب في هذا البلد الجار، مما ينعكس سلبا على دول الجوار الأخرى منها الجزائر التي دفعت ثمنا باهظا جراء هذه الآفة خلال العشرية السوداء. كما تتمسك الجزائر بعدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي، مؤكدة أنها "ستبذل المزيد من الجهود من أجل الحفاظ على وحدة ليبيا الشعبية والترابية". واغتنم رئيس الجمهورية المناسبة لدعوة "جميع الليبيين إلى لمّ صفوفهم وتجاوز خلافاتهم ونبذ التدخلات الخارجية التي تباعد بينهم وتحول دون تحقيق غايتهم في بناء ليبيا الموحدة المستقرة والمزدهرة". وسبق للجزائر أن استقبلت العديد من المسؤولين الليبيين من مختلف التيارات بمن فيهم اللواء خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، مما جعل العديد من المراقبين السياسيين يرون في الجزائر الأكثر أهلية للقيام بوساطة ناجحة لوقوفها على مسافة واحدة من كل الأطراف الليبية. وتعتمد مقاربة الجزائر على المصالحة والحوار بين الفرقاء الليبيين من دون إقصاء من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني تضمن وحدة الأراضي، وتعيد تأهيل الجيش والأمن، مما سيعزز قوة الحكومة المركزية في مواجهة الإرهاب والجماعات المتشددة، مع استبعادها التدخلات الخارجية التي تتسبب في تجاذبات وتوترات لا تخدم مصلحة ليبيا. الأمر ذاته بالنسبة لمنطقة الساحل، حيث وجدت فرنسا نفسها في مأزق بعد فشلها في صد التهديدات الأمنية رغم أنها كانت وراء تشكيل مجموعة (ساحل-5) في محاولة للتقليل من دور هيئة الأركان العملياتية التي تعد الجزائر من الدول المبادرة بها، غير أن باريس أدركت ومعها دول الساحل أن التحديات الأمنية في المنطقة لا يمكن مجابهتها بدون الجزائر التي تعد مفتاح المنطقة. وفي هذا الصدد، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر ستبذل المزيد من الجهود للإسهام في استقرار المنطقة وتعزيز التنمية فيها وتفعيل علاقات التعاون أكثر، مضيفا أن الجزائر تظل بابا مفتوحا ويدا ممدودة لدول المنطقة لمساعدتها على تجاوز خلافاتها. ويبرز اهتمام الرئيس الجديد بالمنطقة المغاربية، من خلال الحفاظ على حسن الجوار وتحسين علاقات الأخوة والتعاون مع دول المغرب العربي، مما يؤكد التمسك بمبادئ السياسة الخارجية، كقضية الصحراء الغربية التي تظل مسألة تصفية استعمار مسجلة لدى الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي، وحلها يكمن في ما تنصه اللوائح الأممية. وهو الموقف ذاته بخصوص القضية الفلسطينية، حيث أكد الرئيس تبون وقوف الجزائر الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأنها لن تتأخر في الاستجابة لندائه، بالإضافة إلى الوقوف مع نضاله حتى استرجاع حقه المشروع في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتحقيق حق العودة، مع دعوة المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤوليته التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يواجه قوة استعمارية غاشمة، وذلك بتطبيق كل قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة بالشرعية الدولية". وغير بعيد عن الدائرة العربية، أبرز رئيس الجمهورية الجديد أهمية تعزيز علاقات الأخوة والتعاون ورص الصف بهدف تجاوز المحن والمصائب التي تشهدها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة تحت مسميات مختلفة، مؤكدا استعداد الجزائر للإسهام في تيسير سبل تحقيق ذلك بصدق وإخلاص وحسن نية. وبلا شك، فإن الجزائر التي طالما رافعت من أجل إحلال السلم في العالم عبر تبني المقاربات السياسية في حل النزاعات واستبعاد الحلول العسكرية، تتمسك بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما ترفض التدخل في شأنها الداخلي. وهو ما عبّر عنه الرئيس المنتخب في إشارة إلى محاولة البرلمان الأوروبي التدخل في الراهن السياسي للبلاد، مما أثار استياء الطبقة السياسية والشارع الجزائري الذي رفع لافتات رافضة لهذا التدخل خلال مسيراتهم الشعبية عبر الوطن. كما شدد الرئيس تبون على تكييف الدور الدبلوماسي للجزائر مع مصالحها الاقتصادية، مؤكدا اعتزامه إسداء تعليمات إلى السفارات والقنصليات في الخارج، من أجل تأدية دور أكبر في مجال ترقية الدبلوماسية الاقتصادية من أجل الدخول في أسواق حيوية جديدة في العالم على غرار السوق الإفريقية.