أخلطت إدارة الاحتلال مرة أخرى الحسابات المصرية بخصوص مساعيها لإتمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة حماس بعد أن تراجعت عن مواقفها وربطت بشكل مفاجئ بين مسألة التهدئة وحتمية الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت أن إسرائيل لن توافق على أي اتفاق تهدئة مع حركة حماس وفتح المعابر دون إطلاق الجندي الإسرائيلي شاليط. وقال أن هذا هو الموقف الإسرائيلي الذي أبلغت به مصر الوسيطة بينها وبين حماس في موضوع التهدئة ومفاوضات إطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير. وأكد مصدر فلسطيني شارك في المفاوضات أن مصر أبلغت مفاوضي حركة حماس بالرد الإسرائيلي ووصفه بالرد "السلبي" الذي سيعرقل الإعلان عن الاتفاق الذي كان منتظرا أمس أو اليوم الاثنين. وشرع الوزير الأول الإسرائيلي ايهود اولمرت أمس في إجراء مشاورات مع مختلف المسؤولين في داخل الإدارة الإسرائيلية لبحث كيفية التعامل مع هذه المسألة ومع بنيامين نتانياهو رئيس حزب الليكود الحائز على المرتبة الثانية في الانتخابات النيابية الأخيرة. وانقلبت إدارة الاحتلال عن موقفها ب 180 درجة إلى حد أنها أثارت استغراب السلطات المصرية التي رعت المفاوضات غير المباشرة بينها وبين مفاوضي حركة حماس لعدة أسابيع وهي التي قبلت قبل أيام بقرار التهدئة وفق البنود المعلن عنها. ولم تكتف إدارة الاحتلال بذلك فقط بل ذهبت إلى حد المطالبة بضرورة التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى بعد أن كانت قبلت بهدنة لمدة عام ونصف قابلة للتجديد مقابل رفع الحصار وإعادة فتح المعابر ووقف اعتداءاتها على سكان قطاع غزة. وأعادت إدارة الاحتلال بهذين الموقفين غير المسؤولين المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد مذبحة قطاع غزة إلى نقطة الصفر وقد تعصف بكل المساعي المصرية للتوصل إلى هذه التهدئة. وهو الانقلاب على الموقف الذي جعل مسؤولين مصريين وفلسطينيين يعتبرون أن السقف الزمني وربط إسرائيل فتح المعابر بإطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط الأسير لدى المقاومة الفلسطينية بالأمر التعجيزي واللامسؤول. وكان عدة مسؤولين في حركة المقاومة الإسلامية أكدوا في عديد المرات خلال اليومين الأخيرين عن قرب إعلان مصر لقرار التهدئة بين الحركة وإدارة الاحتلال ولكنها تصريحات لم تتحقق بعد الموقف الذي أبدته إدارة الاحتلال. واعتبرت حركة حماس أن إثارة إسرائيل لقضية الجندي شاليط "تعد بمثابة عملية إفشال مبرمجة للاتفاق" وأكدت أن هذا نوع من "المماطلة الإسرائيلية" يهدف إلى تحقيق مزيد من المكاسب وتضييع مزيد من الوقت والجهد. وقال محمود الزهار الذي يوجد بالعاصمة المصرية ضمن الوفد المفاوض رفض حركته ربط المفاوضات الجارية بخصوص التهدئة بمصير الجندي الإسرائيلي الأسير. وأكد سعيها لاتفاق تهدئة "متوازن وليست تهدئة تحت سلاح الإسرائيليين". يذكر أن حركة المقاومة الإسلامية أكدت أن قضية الجندي الإسرائيلي الأسير لديها يجب أن تعالج في إطار مفاوضات منفصلة تخصص لمسألة إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين القابعين منذ عدة سنوات في سجون الاحتلال. وتصر حركة حماس على إطلاق حوالي ألف أسير فلسطيني مقابل إطلاق الجندي جلعاد شاليط بمن فيهم الوزراء والبرلمانيين الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال منذ سنة 2006 ومئات الأطفال والنساء. ومن جهته وصف صائب عريقات رئيس فريق المفاوضين في السلطة الفلسطينية الموقف الإسرائيلي بأنه "ابتزاز إسرائيلي محض للفلسطينيين" وموقف "يتناقض نصا وروحا مع اتفاق المعابر المتوصل إليه سنة 2005 ويتناقض مع المبادرة المصرية على اعتبار أن كل مسار منفصل كليا عن الآخر. وبنظر العديد من المتتبعين فان إدارة الاحتلال استغلت نتائج الانتخابات العامة الأخيرة للانقلاب على مواقفها بدعوى أن الخارطة السياسية في إسرائيل تغيرت بعد ظهور توازنات سياسية جديدة. وهي الذريعة التي أكد عليها اولمرت أمس وقال أن حكومته يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الوضعية السياسية الجديدة التي أفرزتها انتخابات الثلاثاء الأخير في إشارة واضحة إلى الصعود القوي لحزب الليكود اليميني المتطرف والذي حل ثانيا وراء حزب كاديما بفارق مقعد نيابي واحد. وأكدت صحف إسرائيلية أن نتانياهو أبدى معارضة صريحة لقرار التهدئة مع حركة حماس وان اولمرت لا يمكنه اتخاذ قرار في هذا الخصوص دون استشارة نتانياهو. وبرر الوزير الأول الإسرائيلي موقفه المتذبذب بدعوى أن العديد من وزراء حكومته أكدوا خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته على رفضهم إعادة فتح المعابر ما لم يتم إطلاق سراح جلعاد شاليط وأن الوقت قد حان لتحريره. وتريد إدارة الاحتلال بهذا المنطق استغلال هذه المفاوضات لتحقيق مكاسب لم تستطع تحقيقها في حربها الأخيرة على قطاع غزة ومن ضمنها فشلها في تحرير جنديها الأسير رغم تخصيصها لوحدة خاصة أوكلت لها مهمة العثور على مكان تواجده وتحريره.