* email * facebook * twitter * linkedin تسارعت تطورات فيروس كورونا المستجد مع منتصف شهر جانفي الماضي؛ إذ بدأت تتضح خطورة المرض، وساد العالم الخوف والقلق من توسع انتشار الوباء. وفي شهر مارس أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها صنفت مرض فيروس كورونا كجائحة. وتم إصدار توصيات حول الوقاية من المرض وعلاجه، واتخاذ إجراءات احترازية ضد الفيروس. كما تم فرض الحجر الصحي. وعندما كانت التدابير الاجتماعية تدعو إلى البقاء في المنازل، ظهر سلوك بشري غريب في الهجوم على الأسواق؛ خوفا من نفاد المواد الاستهلاكية، وهرع الناس إلى المتاجر ومراكز التسوق، التي شهدت حركة غير عادية وزائدة عن المعتاد في أغلب المحلات التجارية. كما شُلت حركة التنقل تماما، وحُبس الإنسان في بيته، وباتت عزلة ليست اختيارية إنما فرضتها الأوضاع بسبب أزمة كورونا. وخضع المواطنون في بقاع العالم للحجر المنزلي إجباريا. وأصبح العالم قرية صغيرة تعيش حالة الهلع والخوف من الحاضر والمستقبل، كما أصبح مصير الإنسانية مشتركا ومستقبلها مجهولا. ودفعت خطورة الوباء بالجميع إلى أن يكون واعيا ومثقفا في الفيروسات والبكتيريا ومواد التنظيف وأدوات الوقاية وطرق النظافة وغيرها. وأكدت الأزمة على أهمية الاهتمام بالبحث العلمي. ونبهت بقيمة العلم، وأهمية تخصيص المال لمصلحة الشعوب وخدمتها، لا سيما والعالم الثالث أصبح متساويا مع العالم المتطور، كما تساوى أهل القرى مع أهل المدن في هذه المحنة. الشعار العالمي "اُقعد في دارك" وضع المجتمعات تحت رحمة الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، وتوقفت النشاطات الثقافية والرياضية، إضافة إلى توقف الدراسة، وإغلاق دور العبادة والأماكن العامة. ومنذ مارس المنقضي أغلقت معظم المؤسسات الثقافية في جميع أنحاء العالم، وألغيت فعالياتها، وأُجلت معظمها إلى أجل غير مسمى. وزادت الأزمة من عزلة المثقفين، وبالتالي أثرت جائحة كورونا على قطاع الثقافة والفنون والمشاريع الثقافية والفكرية، ودفعت الشعوب إلى مراجعة أفكارها الثقافية والفكرية، في حين وجد بعضهم أن هذه الجائحة أتاحت لهم الفرصة للهدوء واستعادة روح القراءة والإبداع وكتابة الروايات والقصص وإنجاز مشاريع أخرى. وفي هذا الصدد، يرى المختصون أن أزمة كورونا ستغير مفاهيم كثيرة في الأنظمة السياسية وموازين القوى، كما ستغير مفاهيم كثيرة في الثقافة العربية والعالمية. ومن أجل أن تستمر الثقافة وللحفاظ على استمرارية الأنشطة الأساسية، دأب ناشطون على المواقع الإلكترونية ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، على إطلاق مبادرات متنوعة، متمثلة في سلسلة من الحوارات مع المفكرين والأدباء، وتنظيم فعاليات المهرجانات والملتقيات والأمسيات الشعرية افتراضيا، وهي فرصة للعديد من المثقفين والأدباء والفنانين عبر مختلف أقطار العالم، للمشاركة فيها. وشهدت إقبالا كبيرا من الجمهور في مختلف دول العالم تفاعل معها بقوة. ومن جهة أخرى، قدّم عدد من المتاحف العالمية خدمة التجول في قاعاتها افتراضياً، وهي فرصة لمحبي الفنون لمشاهدة الأعمال والمنحوتات الجميلة. كما قدمت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حفلات غنائية على المباشر. الفن مصاب بجائحة أخرى... عن واقع تأثير أزمة كورونا على الثقافة والفنون والمجتمع، قال المخرج والإعلامي عبد الباقي صلاي، إن واقع الفنان في الجزائر مر، وواقع مزر وغير صحي قبل جائحة كورونا التي جمّدت ليس فقط الفن والثقافة، بل تمكنت من مفاصل المجتمع برمته، مثنيا على مجهود وزارة الثقافة، التي عملت على تلبية طلبات فئة الفنانين والمثقفين على الرغم من الأزمة التي مست العالم بأسره، وهي مساهمة لمساعدة العديد من الفنانين بمبلغ مالي ولو بسيطا، اعتبرها مبادرة طيبة. وأكد عبد الباقي صلاي ل "المساء"، أن العالم كله اليوم يعاني من هذه الجائحة، فأمريكا فقط خلال ثلاثة أشهر خسرت ما يربو عن ثلاثة آلاف مليار دولار بسبب فيروس كورونا، داعيا إلى النظر إلى الأمور بروح المسؤولية أولا، واستشعار الخطر ثانيا، كون هذه الجائحة تسببت في شل الكثير من القطاعات الحيوية في البلاد. وعن نظرته إلى هذه الأزمة على المستوى الشخصي، أضاف أنها مكّنته من كتابة عدد لا بأس به من الأفلام الوثائقية، كما مكنه الحجر من كتابة سيناريو فيلم طويل مستوحى من قصة حقيقية، فضلا عن تصحيح فيلمين من نوع الدراما. واستطاع لأول مرة أن يتفرغ لمطالعة الكثير من الكتب التي كانت على مكتبه، مشيرا إلى أن الفن يعاني قبل ظهور كورونا، من أهله أولا، ومن جهات أخرى ثانيا. وقال الشاعر والمؤلف ومدير الثقافة بولاية أم البواقي علي بوزوالغ، ليس هناك أبلغ من التوقف عن الفعل؛ ما يعني التوقف عن الحياة. أما ثقافيا فيعني التوقف عن العرض، والتوقف كمؤسسة وكفنان، عن التواصل مع من يستهلك المادة التي تُعرض، وهذا يتبعه توقف ذائقة الجمهور عن استهلاك الإبداع، الذي لن يستطيع أن يعيش بدون مستقبل. وأشار علي بوزوالغ إلى اللجوء للعالم الافتراضي حتى يستطيع الفنان والمؤسسة الثقافية، أن يتجاوزا المشكلة، خصوصا بالنسبة لتلك المؤسسات التي استطاعت أن تنتج مادة ثقافية موجهة خصيصا لوسائط التواصل الاجتماعي ولم تقع في إعادة بث ما هو مسجل من قبل كتظاهرة، مضيفا في حديثه إلى "المساء"، أن المؤسسة انفتحت على واقع سوسيو ثقافي، واللجوء إلى العالم الافتراضي جعل المادة والفنانين في مواجهة واتصال مع مستهلكين ومتابعين من مختلف البقاع ومختلف الفئات، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير. وما تم تحقيقه من خلال الافتراض كان معتبرا بالشكل الذي يجعل الإصرار على استمراره حتى وإن رُفع التجميد عن الفعاليات الثقافية الواقعية وزوال الوباء، على حد تعبيره. ومن جهته، قال الشاعر والإعلامي أحمد عاشوري إنه لا يعتقد أن المثقف الحقيقي يتأثر بهذا الموضوع، بل هي فرصة على المستوى الشخصي ليعتزل ويطالع ويكتب، ويوجه أيضا بصفته فردا في هذا المجتمع. أما في ما يتعلق بالمؤسسات الثقاقية الموجودة حاليا، فأكد ل "المساء" أنها مصابة من الأول بجائحة أخرى أخطر من جائحة كورونا، وهي مرض مزمن وعام منذ زمن بعيد، وهي الآن تبرر فقط عدم نشاطها بوباء كورونا.