"سن اليأس" تسمية تحمل في طياتها الإحباط، خاصة عندما يتم الاطلاع على الدراسات الطبية المتعلقة بهذه المرحلة العمرية والتي تعلن انقضاء فترة الشباب والوصول إلى مرحلة انتقالية تمهد للشيخوخة.. وبالنظر إلى هذه التسمية والأفكار التي يتناقلها الخبراء بخصوص التغييرات الفيزيولوجية والنفسية التي تصحبها يتأتى السؤال: كيف تنظر النساء اللواتي لم يصلن بعد إلى سن اليأس، لهذه المرحلة ؟.. وهل تدعو هذه السن حقا إلى اليأس! تؤكد الأبحاث أن سن اليأس مرحلة تتميز بانخفاض بعض الهرمونات سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، وبالتالي تضعف قدرة كلا الجنسين وترشحهما للمعاناة من بعض المتاعب الصحية. وإذا كانت الأبحاث حول سن اليأس عند الرجال ماتزال محدودة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمرأة التي تواجه تحذيرات في الوسط الطبي بخصوص أعراض هذه المرحلة كالصداع، نفحات الحرارة، آلام المفاصل، هشاشة العظام، الاكتئاب وحرقان البول. فضلا عن إلحاح بعض الأطباء على ضرورة الخضوع للعلاج الهرموني في مرحلة سن اليأس. لكن بالمقابل هناك من الأطباء من يروج إلى فكرة "اتركوا الطبيعة كما هي" باعتبار أن الأمر يتعلق بمرحلة طبيعية لا تتطلب سوى التأقلم.
الخوف من فقدان الأنوثة وبين هذا وذاك جاءت إجابات النساء متأرجحة بين التفاؤل والتشاؤم. حيث أشارت بعض الطالبات الجامعيات المستجوبات إلى أنهن لا يعرفن شيئا عن هذه المرحلة من حياة المرأة. وعلى ضوء الإجابات التي تحصلنا عليها تجلى أن هناك من النساء من يؤرقهن التفكير في خريف العمر، فيطاردهن القلق من هذه الفترة التي تبدو كابوسا يهدد الحياة الزوجية بالدرجة الأولى. على هذا النحو تفكر السيدة (سعاد.ب) محامية، والتي أشارت إلى أن هذا السن يثير مخاوفها نوعا ما نظرا لما يتميز به من أعراض مرضية تجعل حياة المرأة مربوطة بفحوصات طبية دورية. إضافة إلى الخشية من تراجع الرغبة الجنسية، وبالتالي فقدان الزوج، ولو أن هذه الفكرة يولدها انطباع الرجل الذي يعتقد بأن سن اليأس مرادف للبرود الجنسي! من جهتها تعتقد الآنسة (زهرة.ح)، أستاذة جامعية، أن هذه المرحلة العمرية تبدو وكأنها نهاية لحيوية المرأة، مضيفة أنه بعد أن كانت لا تعارض فكرة الزواج من رجل يماثلها في السن، أصبحت الآن تفكر بطريقة مغايرة مفادها ضرورة وجود فارق السن بين الزوجين لتبدو المرأة أصغر سنا من الزوج على الدوام، لاسيما وأن الإنجاب يترك آثاره على جسد المرأة. وعموما تكشف آراء العديد من النساء في هذا الخصوص أن الحياة في هذه المرحلة تغلفها الكآبة، على أساس أن مصيرهن لا يختلف كثيرا عن أوراق الخريف الذابلة طالما أن الحقائق المنتشرة بخصوصها تلمح في أحيان كثيرة إلى أنها نهاية لحياة الممتعة وبداية للمعاناة من بعض المشاكل الصحية والأورام السرطانية، تراجع الرغبة الجنسية، ترهل الجسم والتقدم في السن، مما يجعل سن اليأس باختصار- في نظر بعض النسوة - مرحلة تسرق العديد من مزايا فترة الشباب ليس أقلها الصحة، الجمال والجاذبية.
اليأس.. مغالطة مرفوضة وعلى العكس من ذلك ترى الآنسة (سهيلة. ك)، شابة موظفة، أن سن اليأس مرحلة عمرية لا تثير أية مخاوف، وما على المرأة سوى التكيف مع الأعراض المؤقتة التي تصطحبها.. وأن التغييرات التي تطرأ على المرأة فيزيولوجيا ونفسيا تطال الرجل أيضا، مما يعني أنها ليست حالة شاذة، إذ يبقى المطلوب في النهاية هو الاستمرار في العناية بالنفس مهما تقدم الزمن. وفي سياق متصل تؤكد السيدة (خديجة.س)، أم لطفلة، أن سن اليأس مرحلة عادية تنتظر كل امرأة، وهي تسمى - مغالطة- سن اليأس، حيث يتعلق الأمر بفكرة مستوحاة من الغرب الذي يحصر أهمية المرأة في الجسد، "وأنا شخصيا - تقول محدثتنا -أنظر إلى هذا السن بتفاؤل كبير، لأني لا أؤمن بوجود مرحلة حياتية تدعو إلى اليأس، فكما عشت حيوية العشرينيات أحظى بالوعي الآن في الثلاثينيات، وأنتظر الأربعينيات التي تعد مرحلة للنضج.. ولا مجال للخوف من التجاعيد في حياتي" . وفحوى النظرة المتفائلة لبعض النساء هي أنه حتى وإن تراجع جمال الجسد، فإن جمال النفس يظل متوهجا بما تمنحه المرأة من رعاية لأفراد أسرتها، حب ووقت.. فالحياة لا تنتهي عند حدود هذه المرحلة، بل لكل مرحلة خصوصياتها، وأكثر ما تتميز به هذه المرحلة هو الوصول إلى قمة النضج الذي يعد ثمرة تجارب رحلة الحياة.
استسلام للمعتقدات الاجتماعية وترى في هذا الإطار السيدة (ز.خ) أستاذة مختصة في علم النفس بجامعة الجزائر، أن المجتمع هو الذي يعزز الخوف من سن اليأس، لأنه يلقن المرأة فكرة مفادها أن "استثمار الرجل متوقف على الأنوثة"!، ولهذا عندما تزحف التغييرات الفيزيولوجية نحو جسد المرأة، تشعر بأنها بدأت تفقد قيمتها. وهذه النظرة التي لم تكن سائدة في الماضي، والتي كانت تسمح للمرأة بأن تعيش مطمئنة في هذه المرحلة، جعلت العديد من النساء فرائس لأفكار توحي بأن أزواجهن قادرون على التخلي عنهن وإعادة الزواج كلما اقترب سن اليأس، فالمرأة الجزائرية لا تتصرف غالبا وفقا لشخصيتها، إنما تتصرف وفقا لنظرة الرجل، لذلك تجدها لا تقلق من فقدان الخصوبة في هذا السن، خاصة إذا كان لديها أبناء، بقدر ما تخشى من تغير نظرة زوجها تجاهها. والملفت للانتباه في هذه المسألة هو أن الخوف من هذه المرحلة عززته ظاهرة العنوسة بصفة ملحوظة، وإذا كانت المرأة المتزوجة التي تخطت الأربعين أو الخمسين قد حققت رغبتها في القيام بدورها البيولوجي (الزواج والإنجاب) فإن المرأة غير المتزوجة قد تصل إلى هذه المرحلة قبل الأربعين، باعتبار أن سن اليأس البيولوجي قد يبدأ في الأربعينيات، وذلك نتيجة للضغوطات التي قد تعاني منها في محيطها ولما تفكر به تجاه مستقبل يبدو غير واضح المعالم بالنسبة لها، حيث أن جملة المشاكل التي تعطل الزواج مثل البطالة وأزمة السكن، إضافة إلى نظرة المجتمع التي تدق عليها ناقوس فقدان الخصوبة ابتداء من سن الثلاثين، أمور تؤثر على نفسية المرأة غير المتزوجة التي تشعر بفقدان الأنوثة جراء الإحساس بفقدان الخصوبة. وأضافت لدى شرحها للظاهرة أن المرأة التي زحف الزمن على جسدها دون أن تقوم بدورها البيولوجي تتأثر كثيرا بسبب عدم إشباع عاطفة الأمومة، لاسيما وأن المجتمع الجزائري يحصر قيمة المرأة مهما كانت في الأمومة. وتنصح المختصة النفسانية المرأة بالتغلب على سن اليأس بتقبل ذاتها كما هي وباعتناق مبدأ أن استثمار الذات لا يجب أن يكون من أجل الرجل فحسب.. وعلى المرأة أن تمارس طقوس الحياة بصفة عادية وأن تتقبل هذه المرحلة العمرية بوصفها مرحلة طبيعية. وتسترسل: "على المرأة أن لا تستسلم لتأثيرات المعتقدات الاجتماعية التي تروج لفكرة أن الرجل لا يتقبل التغييرات التي تطرأ على المرأة في هذه الفترة.. فلا أحد من الجنسين في منأى عن تراجع القوى الجسدية. كما لا ينبغي الانجراف وراء الطابع التهويلي الذي يثيره البعض حول هذا الموضوع في الأوساط الطبية - خاصة الغربية - في ظل انتشار وسائل الإعلام والاتصال الحديثة"، وتضيف: »الحقيقة ببساطة هي أن خريف العمر سنة إلهية وعدم تقبله أمر يتنافى وما يفرضه الإيمان.. والجدير بالقول كذلك هو أنه على المرأة أن تتذكر في هذا الشوط الحياتي ما حققته من نجاحات في محطات عمرها المختلفة«.