"كان كاتبا كبيرا، ومترجما فذا، وإنسانا نبيلا"، هكذا وُصف الأديب الراحل مرزاق بقطاش من طرف الأديب رشيد بوجدرة والكاتب محمد بلحي والكاتب المترجم محمد ساري، خلال الندوة التكريمية التي نظمتها المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار على روح بقطاش، الذي رحل في الفترة الأخيرة، قبل أن تصدر له آخر أعماله (كواترو) عن (لاناب). في إطار فعاليات الصالون الوطني للكتاب، نظمت المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، ندوة تكريمية للفقيد مرزاق بقطاش، بحضور عائلته وجمع من الكُتّاب الذين احتكوا به عن قرب. وبهذه المناسبة، قالت سميرة ابنته البكر، إنه كان إنسانا طيبا ومؤمنا تقيا. كما كتب آخر خمسة أعماله وكان شبه كفيف. وأضافت والدموع تملأ عينيها، أنها تشتاق له كثيرا؛ فقد كان نعم الأب رحمه الله. أما السيدة حماش لمياء مديرة النشر (لاناب)، فقد أكدت أن تنظيم هذا اللقاء يُهدف منه توطيد أواصر المودة، ودعم وخدمة الثقافة الوطنية، لتنتقل في الحديث عن الرصيد الثري لأدب بقطاش، ومن بينه مؤلفات صدرت عن المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، حيث صدرت له في سنة 2017، رواية (المطر يكتب سيرته) والتي حاز بها على جائزة آسيا جبار، ومن ثم صدرت له روايتان، وهما (البابور) و(الأكفادو)، لتصدر رواية (كواترو)؛ الجزء الأخير لثلاثية بقطاش، والتي عرفت النور بعد رحيله. بعدها، تناوب كُتّاب عرفوا بقطاش عن قرب، في تقديم شهاداتهم حول المسيرة الأدبية وحتى الحياتية لأديب اعتبره محمد بلحي، متميزا من خلال كتاباته الثرية عن البحر، ليكون من بين الكتّاب العرب القلائل، الذين تناولوا البحر بإسهاب في أدبهم. وأضاف أن بقطاش كان كاتبا حرفيا؛ يعني أنه كان يأخذ وقته في الكتابة، ويكتب بشكل متقن للغاية. كما تطرق للحادثة التي كادت تودي بحياة بقطاش بعد تعرضه لمحاولة اغتيال، والتي رجحها بلحي لكونه إعلاميا ومثقفا وليس لأنه كان عضوا في المجلس الوطني الانتقالي. وتحدّث عن الجوائز التي نالها بقطاش، وكانت آخرها الطبعة الأولى لجائزة آسيا جبار عن روايته (المطر يكتب سيرته). وقال إن بقطاش تفاجأ بهذا الفوز، والذي يعني اعتراف النخبة الأدبية الجزائرية بأدبه. وتطرق لاشتغال بقطاش بكتابة السيناريوهات والقصة، مضيفا أن بقطاش كان يعتبر نفسه قاصا بالدرجة الأولى، وكان مدافعا عن الإسلام ومحبا للقرآن، ومناصرا للغتين العربية والأمازيغية، وكان متواضعا في معاملاته مع الآخرين. كما تحدّث عن دفنه في مقبرة القطّار قبالة البحر. أما الأديب رشيد بوجدرة فقد تناول صداقته مع بقطاش، والتي تعمقت بعد ترجمة هذا الأخير رواية بوجدرة (ألف عام من الحنين)، فقال إن بقطاش بذل جهدا كبيرا لترجمة هذه الرواية التي صدرت ترجمتها في أحسن حلة. واعتبر بوجدرة أن لبقطاش مكانة خاصة في الرواية العربية، فقد كان المحلل الدقيق لما تعيشه الطبقات العاملة الفقيرة، وبالأخص تلك التي كانت تمتهن الصيد، باعتبار أن والده وأعمامه كانوا بحارين، مضيفا أن بقطاش كان لا يخوض في السياسة والإيديولوجيا؛ عكسه هو، ومع ذلك جمعتهما علاقة طيبة جدا. وأبعد من ذلك، فقد أكد بوجدرة أنه أحب الإسلام في بقطاش، الذي كان مصليا متدنيا، كما كان متفتحا ومتواضعا؛ فكان رجلا جميلا، وأدبه جميل أيضا. ومن جهته، أكد الكاتب المترجم محمد ساري، تأثير أدب وشخصية بقطاش على أدبه منذ أن شرع في الكتابة، معتبرا أن بقطاش أديب فريد من نوعه؛ فهو يكتب باللغتين العربية والفرنسية، ويعشق المطالعة، ويحبب الناس فيها، علاوة على ثقافته الواسعة، وترجمته الفذة، فكان، بحق، أديبا عظيما. وأضاف ساري أن بقطاش لم يكن يحب أن ينضوي تحت أي رداء؛ سواء كان ذلك جمعية أم حزبا أم تيارا ما. وبالمقابل، أشار ساري إلى مشاركته في برنامج تربوي، اهتم باختيار النصوص الجزائرية في المنهاج الدراسي. وفي هذا السياق، اختار فصلا من رواية بقطاش (طيور في الظهيرة)، إلا أن هذا البرنامج لم يطبَّق على أرض الواقع. ودعا ساري إلى قراءة ودراسة الأعمال الأخيرة لبقطاش، والتي لم تلق نصيبها من الوهج الإعلامي ولا حتى على مستوى الجامعات، معتبرا أن هذا النشاط التكريمي قد يمثل بداية أولى لترسيخ الذاكرة الأدبية لبقطاش، وبالتالي خطوة بالنسبة للمجتمع الجزائري، لدفع دينه لصالح أدباء عظام مثل مرزاق بقطاش. للإشارة، صدرت للأديب المرموق مرزاق بقطاش والذي رحل عنا في الثاني من جانفي 2021 عن عمر ناهز 76 سنة، العديد من الأعمال، نذكر منها الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة، وهي: المطر يكتب سيرته، والبابور، وأكفادو، وكواترو، وكلها صدرت عن المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، إضافة إلى رواية يمكن القول إنها جزء من السيرة الذاتية لبقطاش، كتب فيها عن طفولته التي قضاها في منطقة العين الباردة بالعاصمة، وحملت عنوان: (مدينة تجلس على طرف البحر)، صدرت في 2019 عن دار الأمل للنشر والتوزيع.