أصيب الوسط الأدبي الجزائري بصدمة كبيرة بعد سماعه خبر رحيل الأديب المرموق مرزاق بقطاش؛ حيث تهاطلت التعازي في صفحات فايسبوك الكتّاب والشعراء، الذين عبّروا عن حزنهم العميق بوفاة الأديب الكبير والإنسان النبيل مرزاق بقطاش، وهذا قبل أن تنزل إلى السوق روايته الجديدة "كواترو" عن منشورات "أناب". بهذه المناسبة، كتب الدكتور مخلوف عامر أن مرزاق بقطاش غنيٌّ عن التعريف، وأن هذا الكاتب المرموق الذي منذ بدء الكتابة لم يتوقَّف عنها واستمرَّ حاضراً في الحياة الثقافية والأدبية، يكتب المقالة، ويُترجم، ويبدع في القصة والرواية. وإنْ كان جاء إلى الأدب عن طريق الرسم والموسيقى، فهو القلم الوطني الذي لا يجفُّ حِبرُه، وليس في سلوكه النبيل استعلاء ولا إقصاء. وتابع أنه لم يفهم -يوماً- من كتاباته، أنه يتنصَّل من السياسة والفكر أو يتنكَّر للواقع، بل إن ذلك كله يقع في صلب أعماله؛ لأن أنجح الأعمال الأدبية أقْدرُها على إخفاء ما مِنْ شأنه أن يسم الإبداع بالفجاجة السياسية والتسطيح الإيديولوجي، مضيفا أنه من هنا تميَّز "بقطاش" - من بين قلائل - بالاشتغال على اللغة العربية، التي أحبَّها، وكان في وُسْعه أن يكتب بأي من اللغات التي يُتْقنها لو كان يسعى إلى تحقيق شهرة زائفة. كما لم يتفاجأ حين فاز (بقطاش) بجائزة آسيا جبار للرواية، بل حضرته عبارة من قال عن جائزة نوبل "إنها أشبه بِحَبْل يُرْمى إلى الغريق بعدما يكون قد وصل إلى الشاطئ"، غير أنَّ (بقطاش) كان دائماً يُحْسن السباحة؛ فلا يغْرَق، ولا يحتاج إلى مَن يرمي إليه حبْلاً لإنقاذه. أما الأديب واسيني الأعرج فقد كتب عنه: "وداعا البحّار الأخير، ماذا فعلت بنا عزيزي مرزاق؟ هل انسحبت الحياة ومشاهد النور؟ هكذا على حين غفلة يا صديقي؟ أكاد لا أصدّق! قاومت كل شيء حتى رصاصات الإرهاب التي اخترقت صدغك! حقيقيٌّ، الذين نحبهم نظنهم دوما في منأى عن الموت. لم أشعر بخيانة الموت مثلما أشعر بها الآن. مات طير الظهيرة، واستسلم القبطان لقسوة الموت، وانسحب الغزال من دائرة الدم. لروحك الرحمة والسلام أيها الروائي الكبير، سيد جيل بكامله، وانكسر القلم. مرارة الفقدان في الحلق تسد كل شيء حتى الرغبة في الحياة!". وكتب محمد ساري أنه بعد أيام فقط من رحيل الكاتب مولود عاشور، ها هي الساحة الأدبية تفقد كاتبا آخر في شخص القاص والروائي والمترجم والصحفي مرزاق بقطاش، بعد حياة مليئة بالإبداع والكتابة والترجمة. وأضاف أن المرحوم كان شخصية أدبية متميزة بثقافته الواسعة، وتنوع كتاباته الفكرية واللغوية. وتابع قائلا: "نم قرير العين أيها العزيز، لقد أديت واجبك في هذه الحياة، وستتذكرك الأجيال بعد قرون بفضل ما تركته من كتابات ثمّنها القراء في حياتك. رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته". أما الكاتب والناشر رفيق طيبي فقد كتب: "رحل، مساء اليوم، الروائي والمترجم المعروف مرزاق بقطاش. برحيله خسرت الثقافة الجزائرية كاتبا ومثقفا ساهم في إثرائها طيلة عقود". وأضاف أنه تَعرّف على بقطاش من خلال نصه "دم الغزال"، الذي أرخ فيه لمحاولة اغتياله سنة 1993 بعيار ناري أصابه وكاد يُنهي حياته لولا لطف القدر، الذي مكّن لبقطاش الاستمرار وكتابة نصوص أخرى خلال عقدين، فاز فيهما بجائزة آسيا جبار مؤخرا، ونشر أعمالا كثيرة. كما عبّر عن أمله في أن يستحضره المثقفون باستمرار، وأن يخلّد القراء نصوصه الجميلة بقراءتها ودراستها. وكتب الأستاذ الجامعي عبد الباقي هزرشي أن بقطاش أثرى المكتبة الإبداعية بعدد معتبر من الأعمال السردية؛ قصصا وروايات، وكان أحد ألمع المترجمين المقتدرين بالإضافة إلى تجربته الإعلامية ذات المسار النوعي؛ خسارة كبرى للثقافة الجزائرية، معتبرا أنه من المؤلم أننا لم نقرأ له، ولم نحتف به، ولم نهتم به إنسانا أو مبدعا، وهذا في بلد قاس جدا، لا يحفل بإنسانه ومثقفيه! وتهاطلت التعازي من طرف أدباء آخرين مثل لزهاري لبتر، وأمين الزاوي، وعبد الله حمادي، وبوداود عمير، والحبيب سايح، وعاشور فني وغيرهم، ليبكوا رحيل أديب ومترجم وإنسان، يمثل عملة نادرة فعلا.