صدر مؤخرا عن دار هومه للأديب الجزائري الدكتور عبد الملك مرتاض، كتاب تحت عنوان " طلائع النور/لوحات من السيرة النبوية العطرة "، يتناول فيه بأسلوب أدبي سردي فصولا من الحياة العربية بمكة قبل البعثة النبوية.. مبرزا شخصيات عربية. كما يتناول جانبا من الأحداث من خلال شخصيات إبان بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم . الشخصيات التي تناولها الكتاب في نصوصه، هي لشخصيات عربية أبت عليها فطرتها السليمة العكوف على عبادة الأوثان وأكل ما لم يسم اسم الله عليه، ومن الشخصيات البارزة التي كانت في هذه اللوحات الأدبية الفنية، شخصية زيد بن عمرو بن نفيل ، الذي قال : ( إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه). وتناول الأديب عبد الملك مرتاض هذه الشخصية باستزمانه لعصر زيد بن عمرو بن نفيل واستصواره للحياة الجاهلية، خصوصا من ناحية معجمها اللغوي، الذي كانت تستثمره في تخاطبها فيما بينها لفظا وسلوكا وسجية ، وقد اعتمد الكاتب لغة قريشية قرآنية، إن جاز عليها هذا التعبير، لأن القرآن جاء بلغة قريش، ولم تكن هناك لغة يتداولها القوم ويتخاطبون بها إلا اللغة التي نزل بها القرآن الكريم الذي كان من الوضوح والتبيان ما يبطل كل الظنون ويسقط كل الشكوك ، لغة من المتانة والصلابة ما تجعل القارئ يعتقد أن المؤلف عكف على المعاجم والمصادر القديمة لاستحضار هذه اللغة ، قد يكون فعل هذا لأنه رجع في كثير من المواطن إلى توضيح بعض الأمثال والمواقع والألفاظ حتى يسهل على القارئ ملاحقة المعنى ولا يلجأ إلى مطاردتها في القواميس. واستغرق المؤلف في شخصية زيد بن عمرو بن نفيل من خلال النص، ما يربو على 50 صفحة، تناول فيها من خلال هذه الشخصية، شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يأكل مما لم يسم اسم الله عليه قبل بعثته ، ثم بحث في هذه الشخصية القريشية الثرية التي كانت تنقذ البنات من الوأد، وبحثها عن الدين الحق، ضاربا في الأرض أكباد الإبل لعله يجد هاديا أو مرشدا من أحبار اليهود أو رهبان النصارى يدلانه عن الصراط المستقيم . تبدأ النصوص بلوحات فنية سردية متينة نسجها المؤلف وسلك بها طريقا لم يسبقه فيه أديب من أدباء العصر الحديث من ناحية سباكة اللغة وصبها داخل النص، وإن كانت للوهلة الأولى تبدو عصية صعبة، إلا أنها عند ممارسة القراءة عليها تبدو لينة طيعة سهلة باستثناء بعض المفردات منها. يستهل المؤلف النصوص بالرجل الذي يبعث أمة ، بحثا عن النبإ العظيم ، الخطبة، السفر الأخير ، في الشام ، حلف الفضول . اللوحة الثانية تناول فيها شخصية أخرى، شخصية تاجر زبيد الذي كان سببا في حلف الفضول الذي كان بطله عم الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، حيث قال عليه السلام: »لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت ، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وأن لا يعز ظالم مظلوما«، واللوحة تسرد مكيدة العاص بن وائل الذي استولى على قافلة التاجر الزبيدي بما ثقلت من البضائع، غابنا إياه في حقه فيها ، فيلجأ الزبيدي إلى رؤساء قريش مستعينا بهم على العاص بن وائل لاسترجاع حقه، غير أنهم لا يعينوه على معروف دعاهم إليه مما اضطره إلى الصعود إلى جبل أبي قبيس المطل على البيت ونادى بأعلى صوته: «يا آل فهر لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الدار والنفر ومحرم أشعث لم يقض عمرته يا للرجال وبين الحجر والحجر إن الحرام لمن تمت كرامته ولا حرام لثوب الفاجر الغدر » هكذا يقود الزبير بن عبد المطلب مجموعة من قريش إلى دار العاص بن وائل ويسترجع للتاجر الزبيدي حقه المغصوب. هذه النصوص السردية تظهر في شكل حوار داخلي " منولوغ " حيث تجزأ في أجزاء هي: تاجر زبيد، القافلة ، في مكة ، مكيدة العاص بن وائل، عقد الحلف بمحضر محمد بن عبد الله، وهكذا تمضي اللوحات مستعطرة بنفحات السيرة النبوية الشريفة حيث يقف بنا الكاتب أخرى منها : خيبة إبليس ، عجب إبليس بنفسه، إبليس ومؤتمر الشر، مناحة الشياطين ، إبليس ضيفا على أبي جهل، المؤامرة الكبرى، الثلاثة الذين خلفوا ، التردد، الابتلاء، الامتحان الأكبر، أعظم توبة ، نهاية اللات، النهاية السارة، سفانة ابنة حاتم الطائي وطريق الهجرة إلى الله. قسم المؤلف كتابه إلى سبعة مراكز رئيسة - الرجل الذي يبعث أمة -تاجر زبيد -خيبة إبليس -الثلاثة الذين خلفوا -نهاية اللات - سفانة ابنة حاتم الطائي وطريق الهجرة. هذه الفصول النصية أو هذه المواقف السبعة البارزة ، تعد من ركائز الكتاب الذي أنبنى على نصوصها ، وقد ذكرتني بكتاب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين : "على هامش السيرة ".