يحاول الباحث الجزائري بشير ضيف الله في كتابه "التمثّلات الإيقاعية للقصيدة الخليجية المعاصرة.. مقاربة أسلوبية وصفية تحليلية"، أن يرصد المقومات التي تميز القصيدة الخليجية عبر أربعة مباحث. استهل ضيف الله مبحثه بفصل تمهيدي، تناول فيه البنية الإيقاعية وتحولاتها الاصطلاحية والشعرية، ثم استعرض في الفصل الأول بنية الإيقاع الشعري وأشكاله الأسلوبية في القصيدة العمودية والحرة، ثم خصص فصلا لإيقاع قصيدة النثر الخليجية، خاتما كتابه بفصل أخير، قدّم فيه مقاربة إحصائية للمنجز الشعري الخليجي. وتتكئ هذه الدراسة التي صدرت عن المركز الديمقراطي العربي، على المنجز الشعري ل 80 شاعرا وشاعرة، من بينهم 12 من سلطنة عمان، منهم سعيدة بنت الخاطر، وناصر بن منصور، وهلال الحجري، وحسن المطروشي، وبدرية الوهيبية، وعائشة السيفية، وصالح بن محمد الفهدي، وسيف الرحبي. ويتناول الباحث تجارب 14 شاعرا وشاعرة من الكويت من بينهم سعدية مفرح، وعبد العزيز سعود البابطين، وسعاد الصباح، وغيداء الأيوبي، و23 من السعودية، من بينهم غازي القصيبي، ومنتهى أحمد القريش، وأحمد اللهيب، و18 من الإمارات العربية المتحدة من بينهم حبيب الصايغ، وفاطمة المزروعي، وحسن علي النجار، و10 شعراء من البحرين، من بينهم قاسم حداد، وحمدة خميس، وبروين حبيب، و4 من قطَر، من بينهم محمد علي قطبة، ومبارك بن سيف آل ثاني، وحصة العوضي. ويؤكد ضيف الله أن هذا الكتاب "يشكل محاولة لرصد الظواهر والتحولات الشعرية في شقها الإيقاعي، خصوصا ما فلتَ عنها من إكراهات العروض الخليلي بدون تجاوز النصوص الوفية له، خاصة من شعراء الجيل السابق، الذين يمثلون مرحلة شعرية مهمة أفادت التجارب الشعرية الراهنة، وكانت نقطة عبور لها نحو التميّز والتألق والتجديد، ومن ثَم فإنها تمتلك سبق التأسيس، وفضل التأثيث الشعري للمنجز الخليجي برمته". ويضيف المؤلف: "لا معنى لمشهد شعري قائم على الصوت الواحد أو الخلفية المعرفية نفسها؛ فالشعر استمرار وتجدد ورغبة في ممارسة الكشف نحو معنى المعنى، وتحريك السائد نحو المختلف. ونحن في هذا الإطار أمام تجربتين شعريتين، اكتفت إحداهما بعدم الخروج عن النسق الكلاسيكي للقصيدة العربية، وانزاحتِ الأخرى إلى التجديد والتجريب والخروج عن المألوف". وتناول الباحث في مطلع الدراسة، التحولات الإيقاعية في ظل المناهج النقدية المعاصرة، والوقوف على مساهمات بعض النقاد العرب المعاصرين في هذا الشأن، على غرار علوي الهاشمي، ومحمود المسعدي، وكمال أبوديب، ومحمد مفتاح بالتزامن مع النشاط الشعري العربي الذي شهد تحولات لافتة، خصوصا مع بدء الألفية الثالثة التي تزامنت مع تلاشي الحدود الجغرافية بين شعراء الكرة الأرضية؛ ما أتاح تعابرا بين التجارب الشعرية، وهو ما انعكس على المنجز الشعري العربي عموما، والخليجي خصوصا؛ فقد ظهرت القصيدة الومضة، والقول الشعري، وشعر "الهايكو"، إضافة إلى فتوحات نصية مستجدة على صعيد القصيدة النثرية. وأوضح ضيف الله أن آخر تقليعات الشعر في هذا الشأن، يتمثل في "بروز القصيدة التفاعلية الرقمية، التي طوعت تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، واستغلت بذلك النشاط الإلكتروني وتقنياته لصالح القصيدة، فأصبحت تتخذ حيزا رقميا لا متناهيا، مفتوحا على الحركة والألوان والموسيقى والمونتاج". ثم تناول في الفصل الأول بنية الإيقاع وأشكاله الأسلوبية؛ كإيقاع الصوت، وإيقاع التكرار، وإيقاع القافية، مع التمثيل لكل شكل إيقاعي بنماذج شعرية خليجية، وصولا إلى الوظائف الأسلوبية للتكرار، ثم خصص مبحثا لإيقاع البياض. وتطرق في الفصل الثاني لإيقاع قصيدة النثر، وما أحدثه هذا الشكل الجديد من تأثير في المدونة الشعرية العربية، ثم توقف عند عدد من التجارب الشعرية الخليجية الرائدة في هذا الشأن، على غرار سيف الرحبي، وقاسم حداد، وخلود المعلا، وبروين حبيب، والجوهرة القويضي، وناصر جبران، وحمدة خميس، راصدا الظواهر الإيقاعية التي ميزت هذه التجربة الجديدة بكل تجلياتها، مع بروز أسماء مفصلية صنعت الفارق، وعبّرت عن حضورها بصوت مسموع في أكثر من محفل. وأجرى الباحث مقاربة إحصائية لما تم تناوله في الدراسة؛ في محاولة لاستقراء الأرقام والمعطيات التي تصب في تثمين التجربة الشعرية الخليجية المعاصرة، القائمة أساسا على التنوع والتجريب. وخلص ضيف الله في النهاية، إلى تقديم نتائج لهذه الدراسة، تلقي الضوء على الأسماء المدرجة وتوزيعها القطْري، وتحديد الأصوات الأكثر فاعلية في المشهد الخليجي، إضافة إلى التمثيل الصوتي الأنثوي الفاعل المواكب للانفتاح والنشاط التكنولوجي؛ إذ لم يعد قاصرا على الحضور "الروتيني" في الفعاليات، وإنما أضحى ظاهرة قائمة على الكشف والتجاوز نحو العالمية؛ باستغلال الممكنات التكنولوجية وحتى المؤسساتية/ المادية، على غرار إنشاء الأكاديميات الشعرية، وتشجيع المبادرات والأفكار التي تصبّ في صميم الشعرية؛ كتنظيم الجوائز، وتقديم حوافز كبيرة تتناسب ومقام الشعر. يشار إلى أن الباحث بشير ضيف الله حاصل على شهادة دكتوراه في النقد الأدبي المعاصر، صدر له العديد من الكتب في مجالات الشعر والدراسات النقدية، أهمها "نون ووجهك الغارب" (1998)، و«شاهد على اغتيال وردة" (2003)، و«أساليب الشعرية المغاربية المعاصرة" (2018)، و«العولمة وتحوّلات الكتابة.. من الورقي إلى الرقمي" (2019). وقد حاز على عدد من الجوائز، أهمها جائزة كتارا للدراسات النقدية (2017).