تشهد أغلب المقابر المتواجدة ببلديات العاصمة، تشبعا كبيرا بعد أن انتهت كل المساحات المخصصة لدفن الموتى، لا سيما في ظل الأزمة الصحية المتميزة بانتشار وباء "كورونا"؛ إذ بات العثور على مكان للدفن مهمة صعبة، وكثيرا ما أصبح يتطلب بعض المحسوبية، أو العودة إلى استغلال نفس القبر الذي دُفن فيه أحد أفراد العائلة بعد مرور المدة القانونية لإعادة الدفن فيه. تحوّل مشكل غياب مساحات جديدة لدفن الموتى بالعاصمة، إلى أزمة حقيقية خلال الفترة الأخيرة، بعد التشبع الذي شهدته مختلف الفضاءات المخصصة لهذا الغرض، حيث فاقت طاقة استيعابها عدد الموتى، ولم يبق منها أي شبر لدفن أموات جدد. المقابر بالعاصمة تضيق بموتاها فقبل عقدين من الزمن وحين كان عدد سكان الجزائر العاصمة لا يصل إلى نصف العدد الحالي، لم تكن أزمة الدفن مطروحة بهذه الحدة، لكن اليوم ومع الوضعية الوبائية التي تعرفها البلاد بسبب انتشار "كوفيد-19"، أضحى الأمر صعبا للغاية، يتطلب، حسب بعض العاصميين، استحداث مقابر جديدة، كون ولاية الجزائر لم تعرف استحداث مقابر جديدة منذ الاستقلال؛ ما تسبب في امتلاء معظم الموجودة عن آخرها، أمام الكثافة السكانية المتزايدة، وقلة مثل هذه الفضاءات الضرورية؛ فمن غير المعقول، حسب المتحدثين، أن تغلق كثير من المقابر أبوابها في وجه الجنائز، بدون أن يتم التفكير في فتح مقابر جديدة! وأكدت جولتنا الاستطلاعية بعدد من المقابر بالجزائر العاصمة التي زرناها، وجود إعلانات كتابية، كانت معلقة على أبواب معظمها، كمقبرة قاريدي والحمامات، تؤكد أن هذه المقابر ممتلئة عن آخرها، ولم تعد تتوفر على مساحات للدفن، فمع مرور الزمن تقلصت مساحات الدفن بالعاصمة؛ ما دفع بعائلات الموتى إلى البحث عن أماكن لجنائزهم في مقابر أخرى، فيما ذهب البعض الآخر لإعادة فتح قبور أفراد العائلة، من أجل الدفن فيها مرة أخرى. رفات عدة موتى داخل قبر واحد بمقبرة سيدي الطيب قادتنا جولتنا إلى مقبرة سيدي الطيب ببلدية المحمدية؛ حيث لمسنا خلالها التشبع الذي أصبحت عليه المقبرة؛ فكل القبور متلاصقة، ولم يعد هناك مسالك ترابية للمشي فيها للوصول إلى الزوايا الأخرى من المقبرة. وقد صادف تواجدنا في المكان وجود عجوز تذرف الدموع بمحاذاة قبر كان يوحي الإسمنت الموجود بجوانبه، بحداثته، فاقتربنا منها بعد أن قمنا بتعزيتها، فأخبرتنا أنها قامت منذ أيام قليلة، بدفن ابنها الوحيد؛ ما دفعنا إلى سؤالها بكل بساطة، عن كيفية الحصول على مكان شاغر بهذه المقبرة الممتلئة كليا، فقالت لنا بكل حزن وأسى: "إن القبر الذي تشاهدونه أمامكم فيه 5 رفات؛ أبو زوجي، وزوجي، وشقيق زوجي، وابني الوحيد رحمهم الله جميعا"! مقبرة "لامونتان" تمتلئ عن آخرها اقتربنا من مصالح إدارة مقبرة "لامونتان" ببوروبة؛ باعتبارها أكبر مقبرة بالعاصمة، فأكد القائمون عليها أنها ممتلئة عن آخرها، ولا تتوفر على مساحات شاغرة للدفن، إلا أن العائلات التي سبق لها أن دفنت موتاها بذات المقبرة، هي من تستطيع دفن موتاها الجدد عن طريق إعادة فتح القبر، الذي سبق لها أن دفنت فيه أحد أفراد عائلتها، وذلك بما يسمح به القانون؛ إذ يجب أن يمر على دفن أحد الموتى بقبر، وإعادة فتحه مرة أخرى بعد 5 سنوات ويوم واحد، وهذا بموافقة أهل المعني بالأمر، مؤكدين أن أغلب القبور بمقبرة "لامونتان" قد أعيد الدفن فيها، ومنها ما فاق 7 موتى داخل قبر واحد. واعتبر مسؤول المقبرة أن مشكل الاكتظاظ الذي تعرفه مختلف مقابر العاصمة، مشكل قديم يعود إلى فترة الاستقلال؛ لأن السلطات المعنية لم تفكر في فتح مقابر جديدة لاستيعاب عدد الموتى، فنجد نفس المقابر التي فُتحت في الستينات مازالت إلى يومنا هذا نفسها، ولم تقم الجهات المعنية بإنشاء مقابر جديدة تتماشى مع الزيادة السكانية المرتفعة التي تشهدها العاصمة إلا في ما يخص بعض المشاريع الجديدة المسجلة من قبل المصالح الولائية، وبالتنسيق مع المؤسسة الولائية المتخصصة في تسيير المقابر وحفظ الجثث. دفن أكبر عدد من ضحايا كورونا بالعالية تعيش مقبرة "العالية" ببلدية باب الزوار التي تضم عدة بلديات، نفس الوضع من الاكتظاظ رغم المساحة الشاسعة التي تتربع عليها، غير أنها امتلأت، هي الأخرى، عن آخرها؛ إذ لاحظنا أن مختلف القبور متلاصقة بسبب الدفن العشوائي؛ الأمر الذي أدى إلى التعدي وهتك حرمة القبور بالمشي فوقها بدون قصد بعد أن زالت آثارها. وأرجع بعض حفاري القبور الذين التقينا بهم، سبب امتلاء مقبرة العالية، إلى ارتفاع عدد الموتى خلال الأوضاع الأليمة التي عاشتها البلاد بسبب الأزمة التي تعيشها بعد موجة كورونا؛ الأمر الذي أدى إلى وفاة عدد كبير من المواطنين، وتزايدُ عدد الموتى خلال هذه الفترة، أدى، بالنتيجة، إلى تشبّع المقبرة. كما أكد بعض حفاري القبور، أنه لم يبق من المقبرة المذكورة مساحات شاغرة لاستقبال موتى جدد. وأوضحوا: "رغم إغلاق أبواب هذه الأخيرة في وجه الموتى، إلا أنها ظلت تستقبل بين الحين والآخر، أمواتا، يصر أهاليهم على دفن جثامينهم غير بعيد عن مسقط رأسهم، فيعاد دفن الموتى في نفس القبر"، مشيرين إلى أنه لا يمكن منعهم من ذلك أو إجبارهم على دفن موتاهم في مقابر أخرى؛ لأن القانون المعمول به لا يسمح بذلك؛ الأمر الذي يحتّم على القائمين على مقبرة "العالية"، الاستجابة، قدر الإمكان، لمطلب إعادة الدفن رغم عدم توفر المساحة لذلك.