تعرف أغلب المقابر المتواجدة ببلديات العاصمة، تشبعا كبيرا بعد أن انتهت كل المساحات المخصصة لدفن الموتى، حيث بات العثور على مكان للدفن مهمة صعبة، وكثيرا ما يتطلب بعض المحسوبية أو العودة إلى استغلال نفس القبر الذي دفن فيه أحد أفراد العائلة بعد مرور المدة القانونية لإعادة الدفن فيه. تحوّل مشكل غياب مساحات جديدة لدفن الموتى بالعاصمة، إلى أزمة حقيقية خلال الفترة الأخيرة بعد الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه هذه الأخيرة، حيث فاقت طاقة استيعابها عدد الموتى، ولم يبق منها أي شبر لدفن أموات جدد. فقبل عقدين من الزمن وحين كان عدد سكان الجزائر العاصمة لا يصل إلى نصف العدد الحالي، لم تكن أزمة الدفن بهذه الحدة، الأمر الذي أصبح يتطلب، حسب بعض العاصميين، استحداث مقابر جديدة، كون العاصمة لم تعرف إنشاء مقابر جديدة منذ الاستقلال،ما تسبب في امتلاء معظم المقابر الموجودة عن آخرها، وذلك أمام الكثافة السكانية المتزايدة وقلة مثل هذه الفضاءات الضرورية، فمن غير المعقول أن تغلق كثير من المقابر أبوابها في وجه الجنائز بدون أن يتم التفكير في فتح مقابر جديدة. جولتنا الاستطلاعية لعدد من المقابر بالجزائر العاصمة التي زرناها، أكدت لنا وجود إعلانات كتابية كانت معلقة على أبواب معظمها، كمقبرة قاريدي والحمّامات، حيث تؤكد أن هذه المقابر ممتلئة عن آخرها، ولم تعد تتوفر على قبر للدفن،فمع مرور الزمن تقلصت مساحات الدفن بالعاصمة، كون بعضهم يضطرون للتنقل من مقبرة لأخرى، من أجل الظفر بمساحة لدفن موتاهم، والبعض الآخر لا يجدون حلا آخر سوى إعادة فتح قبور العائلة من أجل الدفن فيها مرة أخرى. 7 رفات داخل قبر واحد بمقبرة سيدي امحمد جولتنا قادتنا إلى مقبرة سيدي امحمد ببلدية بلوزداد، لمسنا من خلالها التشبع الذي أصبحت عليه المقبرة؛ كل القبور متلاصقة، لم يعد هناك مسالك ترابية للمشي فيها للوصول إلى الزوايا الأخرى من المقبرة، وقد صادف تواجدنا في المقبرة وجود عجوز وهي تذرف الدموع بمحاذاة قبر كان يوحي الإسمنت الموجود بجوانبه، إلى حداثته. اقتربنا منها بعد أن قمنا بتعزيتها، فأخبرتنا أنها قامت منذ أيام قليلة بدفن ابنها الوحيد، الأمر الذي دفعنا لأن نسألها بكل بساطة، عن كيفية الحصول على مكان شاغر بهذه المقبرة الممتلئة كليا، قالت لنا بكل حزن وأسى: "إن القبر الذي تشاهدونه أمامكم فيه خمسة رفات، فيه أبو زوجي، وزوجي، وشقيق زوجي، وابني الوحيد رحمهم الله جميعا". خمس سنوات لإعادة فتح القبر اقتربنا من مصالح إدارة مقبرة سيدي محمد التي تتربع على حوالي 02 هكتار، حيث أكد القائمون عليها أنها ممتلئة عن آخرها، ولا تتوفر على مساحات شاغرة للدفن، إلا العائلات التي سبق لها أن دفنت موتاها بذات المقبرة تستطيع دفن موتاها الجدد، وذلك عن طريق إعادة فتح القبر، الذي سبق لها أن دفنت فيه أحد أفراد عائلتها، وذلك بما يسمح به القانون، بحيث يجب أن يمر على دفن أحد الموتى بقبر، وإعادة فتحه مرة أخرى بعد خمس سنوات ويوم واحد، بموافقة أهل المعني بالأمر، مؤكدين أن أغلب القبور بمقبرة سيدي امحمد قد أعيد الدفن فيها، ومنها ما فاق سبعة موتى داخل قبر واحد. واعتبر مسؤول مقبرة سيدي امحمد، أن مشكل الاكتظاظ الذي تعرفه مختلف مقابر العاصمة، مشكل قديم يعود إلى فترة الاستقلال، وذلك لأن السلطات المعنية لم تفكر في فتح مقابر جديدة لاستيعاب عدد الموتى، بحيث نجد نفس المقابر التي شيدت في الستينات مازالت إلى يومنا هذا نفسها، فلم تقم الجهات المعنية بإنشاء مقابر جديدة تتماشى مع الزيادة السكانية المرتفعة التي تشهدها العاصمة إلا فيما يخص بعض المشاريع الجديدة المسجلة من قبل المصالح الولائية، وبالتنسيق مع المؤسسة الولائية المتخصصة في تسيير المقابر وحفظ الجثث. دفن 150 ضحية بالقطار في فيضانات باب الوادي مقبرة القطار ببلدية باب الوادي التي تضم عدة بلديات منها بلدية واد قريش وبوزريعة، تعيش نفس الأوضاع من الاكتظاظ بالرغم من المساحة الشاسعة التي تتربع عليها، غير أنها امتلأت هي الأخرى عن آخرها، إذ لاحظنا أن مختلف القبور متلاصقة بسبب الدفن العشوائي، الأمر الذي أدى إلى التعدي وهتك حرمة القبور بالمشي فوقها بدون قصد بعد أن زالت آثارها. وأرجع مسؤول تسيير مقبرة القطار سبب امتلاء مقبرة القطار إلى ارتفاع عدد الموتى خلال الأوضاع الأليمة التي عاشتها البلاد أثناء العشرية السوداء في التسعينات وفيضان باب الوادي في2001 وزلزال 21 ماي 2003، فتزايد عدد الموتى خلال هذه الفترة، أدى إلى تشبع المقبرة، حيث بلغ عدد الموتى الذين تم دفنهم بالمقبرة خلال فيضانات باب الوادي سنة 2001، أزيد من 150 جثة يوميا، ولم يبق منها أي مساحة شاغرة لاستقبال موتى جدد. وقال المتحدث إنه رغم إغلاق أبواب هذه الأخيرة في وجه الموتى، فإنها ظلت تستقبل بين الحين والآخر أمواتا، يصر أهاليهم على دفن جثامينهم غير بعيد عن مسقط رأسهم، موضحا أنه يعاد دفن الموتى في نفس القبر شرط أن يمر عليه خمس سنوات ويوم واحد، مبينا أنه لا يمكن منعهم من ذلك أو إجبارهم على دفن موتاهم في مقابر أخرى، لأن القانون المعمول به لا يسمح بذلك، الأمر الذي يحتّم على القائمين على مقبرة القطار، الاستجابة قدر الإمكان لمطلب إعادة الدفن رغم عدم توفر المساحة لذلك.