لا تنقطع معاناة المواطن البسيط بانقضاء أجله، فبعدما كانت مشاكله في حياته تتعلق بالحصول على السكن والوظيفة وتحسين قدرته الشرائية، تستمر المعاناة بعد مفارقته للحياة في ظل أزمة نقص الأماكن المخصصة للدفن التي تجبر العديد منهم على البقاء لأيام طويلة في مصلحة حفظ الجثث.. في انتظار إيجاد مكان شاغر ترتاح فيه روحه. تعرف المدن الكبرى بالجزائر أزمة حادة في عملية دفن الموتى، بعدما اكتظت المقابر عن آخرها وضاقت مساحات الدفن فيها، فبعد أن يتوفى المواطن البسيط ويوّدع مشاكل البيروقراطية، تتعرض جثته لسلسلة من الإجراءات والتعقيدات التي تفرضها أزمة المقابر الشاغرة، حتى أصبح الحصول على قطعة أرض يوارى بها جثمانه بمثابة البحث عن مسكن في أحد الأحياء الراقية. الوضع أكثر سوءا في العاصمة.. بدأت مسألة نقص المقابر أو امتلائها عن آخرها تطرح في عدة مناطق بالوطن، سواء في المدن الداخلية أو بالعاصمة، إلا أن الوضع في هذه الأخيرة أكثر تعقيدا، فمقابرها أصبحت تعرف عجزا فادحا في إيجاد أماكن لدفن الموتى، وهو الأمر الذي أصبح يؤرق الكثيرين، حسبما أكده المسؤول عن المؤسسة الوطنية لتسيير المقابر، مضيفا أن العاصمة وحدها تحتوي 141 مقبرة، غير أنها تبقى غير كافية أمام الكثافة الديموغرافية المرتفعة التي تعرفها المدينة، ما يضطر الكثيرين إلى دفن موتاهم في القبور القديمة التي لم تتجاوز 5 سنوات بعد، عكس ما يقره القانون. مصلحة حفظ الجثث ضاقت ذرعا بموتاها أصبحت أزمة نقص الأماكن في المقابر تشكل عائقا أمام أهل الميت، الذين يزيدهم الأمر مشكلا آخر يهتمون به إضافة إلى انشغالهم بالمصيبة التي حلت بهم، لاسيما البسطاء منهم الذين يجدون أنفسهم في دوامة الأوراق والبيروقراطية التي تحتم عليهم ترك جثة الميت لأيام في مصلحة حفظ الجثث بالمستشفيات، وهو الأمر الذي حدثتنا عنه رئيسة مصلحة الطب الشرعي بمستشفى بني مسوس، البروفسور مراح، التي عانت طيلة 10 أيام بعد وفاة زوجها وهي تبحث عن قبر يأويه بعد أن ظل المرحوم طوال تلك المدة في مصلحة حفظ الجثث بذات المستشفى، مضيفة أن الأمر راجع لتعقيد إجراءات الدفن، وكذا البحث عن قبر شاغر في أحد الضواحي القريبة التي تتيح للعائلة زيارته متى أمكن. حتى القبور ب"المعريفة".. لما كان إكرام الميت دفنه، ولأن من حق أي إنسان الحصول على مكان بالتراب يواري جثمانه، أصبح مطلب توفير المقابر من الضرورات في أي مدينة أو قرية. وفي سياق متصل يقول بعض المواطنين الذين استاءوا من توزيع القبور بعد النظر إلى مكانة العائلة ونفوذها. حيث عبرت بعض العائلات عن الوضع بالقول "حتى القبور في زماننا أصبحت بالمعريفة"، مؤكدين أن هذا الوضع لا يطال إلا الفقراء الذين يجبَرون في كل مرة يتوفى لديهم أحد الأقارب على فتح القبور القديمة للعائلة ليدفن الموتى الجدد فوق رميم أصحاب القبور. وعن الأطراف الفاعلة في هذه المحسوبية، يقول محمد، الذي توفي أبوه منذ 5 أشهر واضطر لدفنه فوق رفات أمه التي لم يمضي سوى 4 سنوات من دفنها:"لم أتمكن من الحصول على قبر شاغر لأدفن فيه والدي، وفي نفس اليوم الذي أكد لي المسؤولون في المقبرة وحفارو القبور ذلك، استفاد آخرون من قبرين في نفس المكان الذي منعت أن أدفن فيه"، مضيفا أنه قام بالاحتجاج على الوضع قائلا.."لم أطلب سكنا، رغبت فقط بحفرة أدفن فيها والدي"!. عجز الدولة يسببه تعنت المواطن أرجع المسؤول عن مؤسسة تسيير المقابر عجز الدولة عن توفير قطع أرضية لدفن الموتى في الأماكن التي يرغب بها هؤلاء، لاسيما في البلديات التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة، إلى عناد المواطنين الذين يصعبون المسألة بتمسكهم بقرار الدفن في البلدية التي يقطنون بها رافضين أي عروض أخرى، غير أن الوضع الراهن وامتلاء بعض المقابر عن آخرها على غرار مقبرة العالية، سيدي محمد، بوفريزي،.. وغيرها يرضخ العديد منهم للبحث في البلديات الأخرى عن القبور الشاغرة. ومن جهتهم أرجع المواطنون إصرارهم على المقابر التي يختارونها إلى رغبتهم في دفن موتاهم في بلديات قريبة من المسكن ليتاح لهم زيارتهم دون صعوبة، إضافة إلى رغبة الميت في دفنه إلى جوار بعض أفراد العائلة المدفونين في نفس المقبرة..