دعا محمد حربي، الباحث في التاريخ، إلى جمع الأرشيف الذي يخص حرب التحرير الجزائرية داخل الوطن في المركز الوطني للأرشيف وجعله في متناول الباحثين الجزائريين حتى يقوموا بعملهم على أحسن وجه. وأضاف المتحدث في ندوة كتابة التاريخ التي شارك في تنشيطها رفقة الباحث والأستاذ الجامعي الفرنسي بنيامين ستورا أول أمس، بالمركز الثقافي الفرنسي، عند حديثه عن "معرفة الجزائر في محك التاريخ المعاصر"، أنه استعان بعمله الذي يخص فترة 1956 -1958بالارشيف الفرنسي بآكس دو بروفانس، وهذا لعدم تمكنه من الاستعانة بالأرشيف الوطني واستطرد في قوله: "لا نريد فيما بعد تأنيبنا لأجل ذلك لأننا غير مسؤولين في هذه الحالة" مضيفا: "هي مسؤوليتنا جميعنا فلا تقتصر على الباحثين في التاريخ بل تمس كل مواطن جزائري". وقبل أن يتحدث حربي عن إشكالية كتابة التاريخ، كشف عن وجود ثلاثة تيارات كبرى قبل الاستقلال وهي التيار الثقافي الذي يشمل جمعية العلماء المسلمين المهتمة ببناء الشخصية الوطنية، التيار المعاصر الذي كان ينادي بالجوانب الايجابية للاستعمار كالجانب الحضاري، والتيار الشعبي الذي كان يرى إقصاء سلطات الاحتلال للكثير من فئات المجتمع، مضيفا أنه بعد الاستقلال ظهرت العديد من الظواهر وفي مقدمتها التفاوت الطبقي، وهناك من استفاد من الاستعمار من خلال الدراسة والتثقيف ويشغل اليوم مناصب مهمة. "كيف نكتب التاريخ؟"سؤال طرحه حربي قبل أن يجيب أن كل الدول كيفما كان النهج الذي تسير عليه، تتحكم في كتابة التاريخ، وأشخاص قليلون تحدثوا عن التاريخ بصفة محكمة مثل مصطفى الأشرف ومالك بن نبي وكنز، وهناك آخرون كثر كتبوا التاريخ من دون بحث متقن واعتمدوا على الأقوال فقط، رغم أن كتابة التاريخ -يضيف حربي- لا يجب أن تتوقف عند نقطة أوتحدها حدود معينة، فالتاريخ محكمة يحكم الماضي ويجعل من هذا أوذاك بطلا في فترة معينة حسب الظروف. لكتابة التاريخ شروط، يؤكد حربي حيث يجب توفر الحرية الشرط الأساسي، وكذا احترام وقبول النقاش حول التاريخ بعيدا عن الوشاية وما شابهها، كما يجب تناول تأثر المناطق الجزائرية بالكولونيالية كل على حدة إذ لم تتأثر جميعها بنفس الدرجة، واعتبر حربي أن كتابة التاريخ في الجزائر يجب أن تبدأ قبل الكولونيالية، أثناءها وبعدها، وهذا بكل حرية مضيفا أنه يجب الاستعانة بالأرشيف الوطني لذلك. من جهته، تناول الباحث والأستاذ الجامعي بنيامين ستورا في مداخلته تحت عنوان "حرب التحرير الجزائرية: تعامل فرنسا مع هذا الماضي، ما بين تاريخ وذاكرة"، تعامل الذاكرة الفرنسية سواء تلك التي تعلقت بالنخب السياسية أم بالمواطن البسيط مع حرب الجزائر، فقال أن حرب الجزائر كان وما يزال لها تأثير كبير على فرنسا وإن اختلفت درجاته حسب الزمن، فقد تأسست الجمهورية الخامسة، في عز حرب الجزائر، كما أن هناك الكثير من الفرنسيين وعددهم قرابة أوأكثر بقليل من مليون ونصف شاركوا في هذه الحرب، ومن 600 ألف إلى مليون ممن يسمون بالأقدام السوداء تركوا الجزائر إلى فرنسا، بالإضافة إلى 200 الى 400ألف جزائري هاجر إلى البلد المحتل. وبكل هذه الأرقام، يؤكد بنيامين وجود علاقة جسدية بين الجزائروفرنسا، مضيفا أن نهاية الحرب أحدثت قطيعة إستراتجية فيما يخص الوطنية الفرنسية حيث اعتبر استقلال الجزائر بمثابة "خسارة إستراتجية لفرنسا" ومن هنا ظهر بما يسمى ظاهرة "النسيان"، وهو ما يحدث بعد كل حرب أوفاجعة كبرى، أي محاولة نسيان خسارة الحرب بعدم ذكرها أصلا. وأشار ستورا إلى ظهور تيار في السبعينات يدعو إلى التوق إلى الماضي من خلال بروز جماعات تدعو إلى ذلك علاوة على ظهور ذاكرات خاصة ومقالات صحفية تدعو إلى نفس الاتجاه، ومع الثمانينات حدث تحول كبير في الذاكرة الفرنسية حول حرب الجزائر مع أبناء المغتربين الذين قاموا بمظاهرة في ديسمبر 1983 ينادون فيها بكتابة مغايرة للذاكرة الفرنسية فيما يتعلق حرب الجزائر، كما نظم في سنة 1988 أول مؤتمر حول نفس الموضوع شارك فيه حوالي أربعون باحثا فرنسيا. واستأنف ستورا قوله:"أهم مرحلة في التعامل مع الذاكرة جاءت في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، حيث ظهرت عدة عوامل جديدة كسقوط جدار برلين انهيار الاتحاد السوفيتي، وبالأخص مظاهرات أكتوبر1988 بالجزائر وكذا احتفال الجزائر بمرور ثلاثين سنة على استقلالها، ولأن التاريخ لا يمكن فصله وحصره في الحدود فإن هذه العوامل أنتجت ظواهر أخرى وفي مقدمتها فتح فرنسا للأرشيف للجمهور وهذا حسب قانون 1979 الذي ينص على فتح الأرشيف بعد مرور ثلاثين سنة". كما عرفت هذه الفترة أيضا عودة بعض من شاركوا في الثورة الجزائرية إلى الديار ومن بينهم محمد بوضياف وأحمد بن بلة، وكذا عودة الحديث عن فرحات عباس ومصالي الحاج، وما أنتجه من شهادات حية حول الحرب الجزائرية خاصة منها التي تتعلق بالتعذيب وهي شهادة المجاهدة لويزة أغيل، كل هذه الأمور عجلت في كتابة التاريخ، فبدأت الكتابة عن حرب الجزائر كالكتابة عن التعذيب والتجارب النووية الفرنسية وغيرها. وأضاف المتحدث أنه جراء كل هذا حدثت قطيعة بين من يريدون كشف ما اقترفته السلطات الفرنسية في حق الجزائريين وبين من لا يريدون هذه المواجهة، مشيرا إلى أنه في الألفية الثالثة ظهرت قوانين جديدة في نفس الصدد أهمها قانون الذي يتعلق بالعبيد وكذا الذي يتحدث عن مزايا الاستعمار، بالمقابل أكد المحاضر أن فرنسا تعيش مرحلة أصبحت فيها قضية الكولونيالية قضية مهمة، حيث كثرت اللقاءات والمؤتمرات والكتابات حول هذه الفترة من تاريخ الجزائروفرنسا، وحتى ظهور الكثير من مذكرات التخرج عن المسألة. وفي الأخير، أكد ستورا أن العمل التاريخي مرتبط بالسياسة، فلا يمكن له أن يتحرك بكل قوة إلا بقرارات سياسية مطالبا في السياق نفسه بتحقيق لجنة تضم باحثين في التاريخ من الجزائروفرنسا.