أشار الباحث الفرنسي، لورو مارتان، خلال محاضرة "التاريخ، نظام تحت تأثير" التي ألقاها، نهاية الأسبوع الماضي، بالمركز الثقافي الفرنسي، إلى وجود ميكانيزمات تمنع الأفراد من الوصول إلى الأرشيف، وقال إن معرفة الحاضر تتطلب من الباحث الاطلاع على الماضي، غير أن الحصول على الأرشيف لا يخلو، حسبه، من صعوبات حتى في الدول الديمقراطية "لأن هناك مواضيع تعتبر طابوهات كما أن الحرية الفردية ليست مطلقة"• وذكر المؤرخ قانونا فرنسيا يسمح للفرد بالاطلاع على الوثائق الأرشيفية، لكن رغم هذا القانون، حسب الباحث، فإنه في عام 1991 تم الكشف في فرنسا عن وجود وثيقة خاصة باليهود خلال اجتياح ألمانيالفرنسا، ونظرا لما احتوته من حقائق فإن الدولة الفرنسية لم تعلن عن وجودها• وقال لورو مارتان "أخفت الدولة منذ خمسين سنة وجود بعض الوثائق الأرشيفية، وكان الفيلسوف جاك دريدا يقول "إن الأرشيف يعتبر أداة ووسيلة تستعملها السلطة"• ويرى المحاضر أن الأرشفيين ورغم أنهم يقولون بأنهم ليسوا سوى تقنيين إلا أن النظر إلى حقيقة الأمر كاحتفاظهم ببعض الوثائق والتخلص من جزء آخر، يجعلنا ندرك أن حفظ الأرشيف مسألة سياسية، وذكر لورو مارتان أمثلة على غرار الحقائق التي كشفها الباحث جون لوي دينودي لأول مرة في كتابه والذي كشف بأن عدد الجزائريين الذين قتلوا في مظاهرات أكتوبر 1961 باريس خلال حرب الجزائر وصل إلى 200 شخص، وليس شخصين حسب ما جاء في تقرير شرطة باريس، وبفضل شهادة محافظين في شرطة باريس تم الكشف عن تلك الحقيقة، لأنه حسب المحاضر تم التخلص من نسخة تقرير الضابط الفرنسي بشأن المظاهرات• وذكر مارتان الميكانيزمات الأخرى التي يتم اعتمادها لإخفاء وعدم الكشف صراحة عن وجود أرشيف مهم يتعلق بحقائق تاريخية، كعدم تسمية الأرشيف على حقيقته، فعلى سبيل المثال فإن دفاتر العائلة الخاصة بنساء جزائريات سجن في سجن بربروس خلال الثورة الجزائرية، ذكر فيها تعرضهن للتعذيب قبل سجنهن، وقال لورو بأن تلك الدفاتر وضعت في مكان بالأرشيف بحيث لا يفكر المطلع عليها بأنه سيعثر على حقائق رهيبة بشأن تعذيبهن• وهناك أرشيف، حسب لورو مارتان، يسمح لبعض الباحثين الجامعيين بالاطلاع عليها وآخرون لا يسمح لهم بذلك، وخاصة تلك التي يتم فيها المساس بشرف شخص أو عائلة، ويطلب من الباحث بألا يكشف عنها• وقال المحاضر إن منع الباحثين من الاطلاع على أرشيف الدولة الفرنسة بخصوص تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية أثناء حرب التحرير سيصعب على الباحثين إنجاز بحث حول المتضررين من تلك التجارب النووية، واعتبر الباحث والمؤرخ الفرنسي أن منع الاطلاع على الأرشيف يؤدي أيضا إلى منع نقاش شعبي حول مواضيع مهمة•