أجمع غالبية المختصين والعارفين بحقل الإعلام أن وضع حرية التعبير أو الصحافة في الجزائر يسير من الحسن إلى الأحسن مقارنة بالأوضاع الاعلامية السائدة في دول الجوار، على غرار تونس والمغرب، إلا أن ما هو مرجو حسبهم يبقى أكبر من ذلك، في إشارة منهم إلى ضرورة فتح قنوات جديدة للتعبير واستيعاب التنوعات الموجودة في المجتمع الجزائري . وأكد السيد عبد الحق بن سعدي أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر ل"المساء" بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير المصادف ل3 ماي من كل سنة، أن حرية التعبير في الوقت الراهن تحتاج إلى التكيف ومسايرة تطورات المعطيات المتسارعة التي يعرفها المجتمع الجزائري على مستوى كافة المجالات السياسية والإعلامية، مضيفا أن هناك تحسنا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية وذلك بمراعاة اختلاف الظروف، حيث أن هذه المسايرة حسبه تندرج في إطار حتمية فتح المجال أمام كل الحساسيات والتيارات حتى يتسنى لها التعبير أكثر عن أفكارها تطبيقا للمبدأ الديمقراطي. ومن جهته، لم يغفل الأستاذ عبد الحق بن سعدي الظروف الصعبة التي تواجه رجال مهنة المتاعب في الجزائر خاصة في قطاع الصحافة المكتوبة والمتمثلة أساسا في صعوبة الوصول إلى المعلومة والخبر نظرا للعراقيل الإدارية التي يصطدم بها الصحفيون في عملهم اليومي، بالإضافة إلى عدم تزويدهم بالمعلومة في بعض القطاعات الحساسة على غرار المجال الاقتصادي الذي أشار الى ضرورة تسليط الضوء عليه باعتباره المؤشر الرئيسي المحدد لمدى تنمية وتطور أي بلد من البلدان. كما أكد الأستاذ بن سعدي أن إيجابية وضعية حرية التعبير في الجزائر تدعو القائمين على قطاع الإعلام إلى مراجعة السياسات المعتمدة وحل القضايا العالقة المرتبطة أساسا بحرية التعبير وضرورة بعثها من جديد كقانون الإشهار، الوضع الاجتماعي للصحفيين، فتح مجال السمعي البصري، تسهيل إجراءات الحصول على تراخيص اعتماد الجرائد، التي تبقى من أهم العوامل الداعمة لحرية التعبير وإثراء مكاسب السلطة الرابعة. وأضاف الأستاذ أن حرية التعبير باعتبارها حقا طبيعيا مكفولا دستوريا ومكسبا مكرسا في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأممالمتحدة، لا تعني الحرية المطلقة في كتابة أيا كان. وإنما على الصحفي التأكد من المعلومة والمصدر وامتلاك الحجة القاطعة في الحكم على الآخرين. وابتعاده عن أساليب التجريح والإساءة. ومن جهة أخرى، اعتبر الدكتور نور الدين حاروش أستاذ الفكر السياسي بقسم العلوم السياسية بجامعة الجزائر حرية التعبير من بين العناصر الأساسية والضرورية لتكوين الديمقراطية، مضيفا أنه كلما اتسم النظام السياسي بمقومات ومعايير الدمقراطة كلما جاءت حرية التعبير بصورة آلية وتلقائية. وهنا يشير الدكتور حاروش الى الدور الهام الذي تلعبه الصحافة من خلال هذه القاعدة باعتبارها سلطة رابعة تساعد السلطات الثلاث "التشريعية، التنفيذية، والقضائية" في دعم القرار وحل المشاكل وكشف مظاهر الفساد والانحراف. كما اشترط الدكتور ضرورة تركيز وسائل الإعلام لا سيما العمومية منها على الأمور غير السليمة في المجتمع ومحاولة اكتشاف العيوب وتقويم السلوك واعتبر أن الصورة تلعب الدورالذي لا تستطيع لعبه حروف المطابع وأقلام الصحفيين مستدلا في ذلك بتجارب أوربية استطاعت من خلالها وسائل الاعلام الإطاحة بكبار بارونات الفساد في العالم. وفي حديثه عن الصحف الخاصة في الجزائر، اعتبر أستاذ الفكر السياسي أنها عرفت قفزة نوعية من ناحية الاحترافية لاسيما في السنوات الأخيرة، حيث أرجع ذلك إلى التركيز السليم على فكرة المنافسة الاعلامية في السوق، خاصة مع التعددية في الصحف بالاضافة الى تغير الذهنيات التي أصبحت تهتم أكثر بالمادة الاعلامية على حساب المصالح والمكتسبات المادية التي كانت الشغل الشاغل للصحفيين فيما سبق. ومن هنا تجدر الإشارة الى أن الفكرة التي يريد الاعلاميون ايصالها هي ضرورة تكييف نصوص المؤسسات الاعلامية العمومية الوطنية مع المستجدات الراهنة لإضفاء مرونة أكبر في التسيير وذلك من خلال تحقيق احترافية أكثر في التكوين المستمر. وذلك بتوفير نظام حماية متكامل لرجال مهنة المتاعب من الأخطار التي تواجههم في ميدان عملهم.