"إن أردت أن تصلح أمر دولة فاصلح نفسك".. من أقوال المفكر مالك بن نبي التي كتبها التاريخ بأحرف من ذهب، حيث يعد بن نبي أحد أهم رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويعرف بألقاب كثيرة، منها "ابن خلدون الجزائر"، "فيلسوف العصر" أو "فقيه الحضارة"، حيث سلط الضوء على أبرز مشاكل العالم الإسلامي، فكان قوميا بامتياز، كما احتلت القضية الجزائرية الحيز الأكبر من كتاباته. لعل العامل الأول لنجاعة أفكار مالك بن نبي؛ ظروف نشأته، حيث ولد سنة 1905 بقسنطينة لأسرة فقيرة ومحافظة، في أوج الاستعمار الفرنسي، فكان والده موظفا في القضاء، كما عملت أمه في الحياكة، وسرد في مذكراته "شاهد القرن" ضيق حال أسرته ومعاناة والديه لتوفير أدنى متطلبات العيش، وهو ما لم يمنعهما من تعليم معلم أجيال. درس بن نبي في زاوية قرآنية بتبسة لأربع سنوات، ثم التحق بالمدرسة الفرنسية في الجزائر، ليتخرج منها سنة 1925، ويقرر السفر إلى فرنسا رفقة صديقه. عاد بعدها إلى الجزائر وعمل بمحكمة في مسقط رأسه، وساهمت هذه الوظيفة بشكل كبير في تبلور فكره، ففتحت بصيرته لمشاكل شعبه وحالتهم المزرية. وفي 1930، عاد بن نبي إلى فرنسا في رحلة علمية أحدثت نقلة نوعية في تفكيره، حيث توله للفرق بين المجتمعين الغربي والإسلامي، كما أحدثت العنصرية التي عانى منها هناك أثرا في نفسيته، خاصة بعد أن رُفض طلبه بالالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، لأسباب دينية. اختار بن نبي الإقامة في فرنسا، لتبدأ رحلته كمفكر وكاتب، حيث أصدر أول كتاب له تحت عنوان "الظاهرة القرآنية" سنة 1946، يليه 42 مؤلفا آخر خلال سنوات حياته الثماني والستين. في 1954، وبعد اندلاع الثورة الجزائرية، انتقل بن نبي إلى القاهرة، حيث حظي بشهرة واسعة، ليكمل مسيرته في التأليف إلى غاية عودته إلى أرض الوطن سنة 1963، وعين مديرا عاما للتعليم العالي. أثرى مالك بن نبي الصحافة الجزائرية آنذاك بأفكاره، فنشرت له مقالات حول إشكالية الثقافة، سعى من خلالها إلى توعية الشعب والنهوض بالمجتمع والتحرر الفكري من الاستعمار. ولاتزال أفكار هذا النابغة يُعمل بها ليومنا هذا، حيث سعى إلى إثبات أن التعليم رافع الأمم، والاستثمار في الفكر يقوي الدولة، وهذا ما عملت به وطبقته العديد من الدول، أمثال ماليزيا وإندونيسيا، وحولها من دول نامية إلى واحدة من أقوى الاقتصادات في قارة آسيا.