"... وبدأ المجتمع يتصعلك من فوق، ويتدهور من تحت، بدأت ملامح التصعلك حتى في التفاصيل الشكلية للرجال الذين تغيرت أزياؤهم". هكذا انتقد مالك بن نبي في كتابه "مذكرات شاهد القرن" الحال التي وجد عليها بلده وأهله غارقون في شرب الخمر. في هذه العبارات لم يكن مالك بن نبي ساخطا على أهله بقدر ما صب جام غضبه على المستعمر الفرنسي الذي زرع ورما خبيثا في مجتمعه. وبعد 45 سنة من الاستقلال، ازداد التصعلك من فوق واستمر التدهور من تحت حتى أصبحت "البيرة" تشرب إلى الثمالة في بيت مالك بن نبي قبل أن "يبولوا"على تركة 68 سنة في طلب العلم. بداية مسيرة طلب العلم كانت عام 1905 في مدينة قسنطينة حيث ولد مالك بن نبي في عائلة فقيرة، وفي تلك المدينة تخرج عام 1925 من مدرسته التي طالما اعتبرها "سجنا يعلم فيه الكتابة". بعد التخرج بدأت رحلة البحث عن عمل لكنها باءت بالفشل، الأمر الذي جعله يشد الرحال نحو فرنسا من أجل "أن نفتح لأنفسنا باباً على العالم، لأن الأبواب موصدة في الجزائر"، لكن هذه الرحلة هي الأخرى كانت فاشلة. عقب الفشليين المتتاليين، عاد إلى مسقط رأسه لتبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل، كان أهمها، عمله في محكمة آفلو، واحتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده خلال العام 1930، أعاد مالك الكرة بالتوجه نحو فرنسا، لكن هذه المرة عمل على تعديل أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة (اللاسلكي) غير البعيدة عن (معهد اللغات الشرقية) للتخرج كمساعد مهندس، ممّا يجعل موضوعه تقنياً خالصاً، بطابعه العلمي الصرف، على العكس من المجال القضائي والسياسي. في تلك الفترة اختار الفرنسية المسلمة "خديجة" زوجا له، لكن تكوينه التقني لم يمنعه من الخوض في قضايا العالم الإسلامي فكان سنة 1946 كتابه "الظاهرة القرآنية" ثم "شروط النهضة" 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار و"وجهة العالم الإسلامي" 1954،أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين. مع اندلاع ثورة نوفمبر توجه للعيش في مصر حيث ألف كتابه"فكرة الإفريقية الآسيوية". وبعد الاستقلال عاد إلى الوطن، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في الجامعة المركزية، حتى استقال سنة 1967 متفرغاً للكتابة إلى غاية تاريخ 31 أكتوبر 1973 حيث قضى نحبه في صمت. حمزة بحري شيبان يستنكر ما وقع في منزل المفكر بن نبي استنكر سماحة الشيخ عبد الرحمان شيبان، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ما وقع للمسكن الذي ترعرع فيه المفكر الجزائري مالك بن نبي، الذي حوله بعض الأشخاص إلى وكر لممارسة الرذيلة. وأكد شيبان،في اتصال مع الشروق اليومي، أن الجمعية" تستنكر أيّ منكر من أيٍّ كان وحيثما وقع"، نافيا أن يكون قد وصلته معلومات من هذا النوع، مضيفا:" نحن نُندّد بأية أفعال مُخلة بالحياء سواء وقعت في الخلاء أو في الحدائق أو في غيرها من الأماكن.." وشدّد رئيس جمعية العلماء على أنه "يحسُن تكريم كل أعلام الجزائر من مفكرين واقتصاديين وعسكريين وغيرهم" وهذا من أجل "تخليد ذكراهم وأخذ العبر من حياتهم ولتتغذى الأجيال بهم... دعوة لتحويل المنزل إلى متحف تأسف الكاتب الجزائري التهامي مجوري للوضع الذي آل إليه مسكن المفكر مالك بن نبي من إهمال وتضييع، واعتبر تحول منزله إلى بيت للدعارة " فعلا منافيا لما يدعو إليه صاحبه ". وقال التهامي في تصريح للشروق اليومي أن بن نبي في فكره لا يُؤمن بالصدف ، لذا " وجب النظر في أسباب هذه الظاهرة وتحليلها واستشراف مآلاتها "، وأضاف :" لو كان بن نبي حيا لكان له تعليق طويل عريض على الحادثة ". وعبر الكاتب عن أسفه الشديد ل"جهل الجزائريين" لتاريخ مفكرهم وأعماله، مشددا على أنّ بن نبي " قد نال حظه من المشارقة في ذات الوقت الذي لاقى فيه إهمالا كبيرا من أبناء بلده"، داعيا إلى تحويل هذا البيت إلى متحف تُخلّد من خلاله ذكراه. هشام.م