تضمن مشروع القانون العضوي المحدد لإجراءات وكيفيات الإخطار والإحالة المتبعة أمام المحكمة الدستورية، الذي تحوز "المساء" نسخة منه، أدوات قانونية تمكن هذه المحكمة من بسط رقابتها الدستورية. كما يوسع النصّ من حق المواطن في الدفع بعدم الدستورية خلال المنازعة في الأحكام التشريعية التي تطبق عليه في حال اعتراضها مع الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، وتمكينه لأول مرة من إثارة الدفع بعدم الدستورية في الاستئناف والطعن بالنقض. وجاء النصّ الجديد ليتكيّف مع المهام الجديدة والموسعة، التي أسندت للمحكمة الدستورية كمؤسسة سيادية في الدستور الجديد، تضطلع بمهام كبيرة، أهمها النظر في دستورية المعاهدات والقوانين ومدى تطابق القوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان مع الدستور، فضلا عن النظر في الخلافات التي تحدث بين السلطات الدستورية وتفسير الأحكام الدستورية وأبداء الرأي حولها. في هذا السياق، يأتي النص الجديد في إطار المطابقة مع أحكام المادة 196 من الدستور وتحديد إجراءات وكيفيات إخطار المحكمة الدستورية والإحالة المتبعة أمام هذه الأخيرة. فبالنسبة لحالات الإخطار، ينص المشروع على أن المحكمة تخطر من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني، والوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، ومن قبل 40 نائبا من المجلس الشعبي الوطني أو 25 عضوا من مجلس الأمة. على هذا الأساس، يمكن طبقا لأحكام المادة 195 من الدستور، إخطار المحكمة الدستورية، بعدم الدستورية، بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية، أن الحكم التشريعي أو التنظيمي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها الدستور. لأول مرة.. الدفع بعدم الدستورية في الاستئناف والطعن بالنقض وحتى وإن تمسك النصّ الجديد بحق المواطن في ممارسة حقه بعدم الدستورية، والذي يعد إجراء تعمل به الجزائر منذ سنوات في إطار عصرنة وتطوير منظومتها القانونية وتكريس الحريات، تم لأول مرة إقرار هذا الحق في الاستئناف والنقض. وتوضح الفقرة الثانية من المادة 14 من النصّ على أنه "يمكن أن يثار هذا الدفع لأول مرة في الاستئناف أو الطعن بالنقض، وإذا تمت إثارة الدفع بعدم الدستورية أثناء التحقيق القضائي، تنظر فيه غرفة الاتهام".. وتضيف المادة 15 أنه "يمكن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة الجنايات الابتدائية وأمام محكمة الجنايات الاستئنافية وتنظر محكمة الجنايات في الدفع بعدم الدستورية قبل فتح باب المناقشة". في هذا الإطار يحدّد المشروع الإجراءات المطبقة أمام الجهة القضائية المثار أمامها الدفع وأجال فحصه، وينصّ على أنه يمكن أن يثار هذا الدفع أمام الجهات القضائية التابعة للنظام القضائي العادي والجهات القضائية التابعة للنظام القضائي الإداري، وحتى لأول مرة على مستوى الاستئناف أو النقض، غير أنه لا يمكن للقاضي إثارة هذا الدفع من تلقاء نفسه، حسب المادة 16، باستثناء قضاة النيابة، حيث جاء في هذا الشأن أنه "يمكن لقضاة النيابة العامة أو محافظة الدولة، بناء على طلب المحكمة الدستورية تقديم ملاحظات كتابية حول الدفع بعدم الدستورية". كما يقدّم الدفع بعدم الدستورية تحت طائلة عدم القبول، بموجب مذكرة منفصلة، قصد تمكين القاضي من تحديد الوجه المثار فورا والفصل في الطلب. وينصّ المشروع كذلك على أنه في حالة الدفع بعدم الدستورية يرجئ الفصل في القضية على مستوى الجهات القضائية إلى حين تسوية هذا الإخطار من قبل المحكمة الدستورية في الآجال المحددة. إجراءات قانونية للحد من الدفوعات الرامية لإطالة النزاع يعالج النصّ الجديد الدفوعات الرامية لإطالة النزاع بطريقة مفتعلة، إذ تقوم الجهة القضائية المثار أمامها الدفع، بإجراء فحص أولي للتأكد من توفر 3 شروط، تتعلق بأن يتوقف على الحكم التشريعي أو التنظيمي المعترض عليه، مآل النزاع أو أن يشكل أساس المتابعة، وأن لا يكون الحكم التشريعي أو التنظيمي المعترض عليه، قد سبق التصريح بمطابقته للدستور، من طرف المحكمة الدستورية، أو المجلس الدستوري، باستثناء حالة تغيير الظروف، ويجب أن يتسم الدفع المثار بالجدية"، حسب المادة 20 من المشروع. وتسمح الشروط السالفة الذكر، بتحييد الدفوعات الكيدية التي ترمي إلى إطالة عمر النزاع من قبل طرف معين لعرقلة السير الحسن للعدالة عبر الاستغلال غير الصحيح لحق الدفع بعدم الدستورية. كما يتناول النص إرجاء الفصل في النزاع أو المحاكمة الجزائية إلى غاية صدور قرار المحكمة العليا أو مجلس الدولة أو قرار المحكمة الدستورية في حال إخطارها. ويستثني النص الجديد من هذه القاعدة، "حالة وجود شخص محبوس بسبب الدعوى أو إذا كانت هذه الأخيرة تهدف إلى وضع حد للحرمان من الحرية، مالم يعترض على ذلك المعني، أو إذا كان القاضي ملزما بالفصل على سبيل الاستعجال أو في أجل محدد". وفيما يتعلق بطرق الطعن ضد قرار الجهة القضائية، بإرسال الدفع من عدمه إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة، ينص المشروع على أنه "لا يمكن الاعتراض على ذلك إلا مع الطعن في الموضوع". كما يحدّد المشروع، الأحكام المطبقة أمام المحكمة العليا ومجلس الدولة، وينص على أنه "في حالة كان الدفع المثار من طرف المتقاضي يستجيب للشروط المنصوص عليها، تقوم الجهة القضائية بإرساله في آجال 10 أيام إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة، اللذين يقومان بفحص معمّق للدفع المثار وشروط قبوله، قبل الفصل في إرساله إلى المحكمة الدستورية". إعلام رئيس الجمهورية والحكومة ورئيسي غرفتي البرلمان كما يحدّد المشروع، الأحكام المطبقة أمام المحكمة الدستورية، وينص على أنه "بعد احالة الدفع بعدم الدستورية من طرف المحكمة العليا أو مجلس الدولة على المحكمة الدستورية، تقوم هذه الأخيرة بإعلام رئيس الجمهورية ورئيسي غرفتي البرلمان وكذا الوزير الاول أو رئيس الحكومة حسب الحالة، وينشر القرار في الجريدة الرسمية". وينص أيضا على أن جلسة المحكمة الدستورية تكون علنية، مع تمكين ممثل الحكومة والأطراف الممثلين من قبل محاميهم من تقديم ملاحظاتهم وجاهيا. كما ينص على أن يبلغ قرار المحكمة الدستورية إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة لإعلام الجهة القضائية التي أثير الدفع بعدم الدستورية أمامها. ويعد المشروع من النصوص الإصلاحية التي تتكيف مع الدستور وتوسع مجال الحريات والحقوق وتمكن المواطنين من ممارسة حقهم الخاص بالدفع بعدم الدستورية، مع توضيح كيفيات ممارسة الصلاحيات الموسعة للمحكمة الدستورية التي تعد من أهم المؤسسات التي جاء بها الدستور الجديد.