يعالج مسلسل "بابور اللوح" للمخرج التونسي نصر الدين السهيلي، موضوع الهجرة غير الشرعية، من خلال قصة اجتماعية لعائلة تواجه الكثير من المشاكل، وقد تناول هذا العمل هذه الظاهرة المستفحلة بشكل عميق يقترب للتشريح، ويضع الأسباب العديدة وراء انتشار "الحرقة" عند الشباب، ضمن قالب درامي نسيجه منطقي، يتسم بالحركة والتشويق، دون الاعتماد على القوالب الجاهزة أو المباشرة في تقديم الدروس، التي من شأنها وضع المشاهد في حالة ملل. هذا العمل، الذي كتبته فاتن الشاذلي، وقصة كل من نصر الدين السهيلي وعبد القادر جريو، وقام إسماعيل صوفيت بالمعالجة الدرامية للنص، يتطرق إلى الدافع الأول للحرقة، فهو نابع من الظلم والتهميش من خلال قصة "مراد" (أدى الدور رابح عبد الكريم) الرياضي الملاكم المحترف، الذي لا يجد في تعبه ثمارا، في اختياره ضمن الفريق الوطني، وتفضيل مقربين عليه، بغض النظر عن مواهبهم الضعيفة أمامه، فيقرر ركوب البحر، وإلى حد الحلقة السادسة من المسلسل، فشل "مراد" مرتين، الأمر الذي جعله يمضي في مسار غير رياضي، يتناول حبوبا مهلوسة لعله ينسى ضرره، وبسببها يلقى مصيرا مؤلما. يتطرق المسلسل إلى عدة مواضيع أخرى، وربما هو العمل الأول الذي يتحدث عن الهجرة غير الشرعية، سُردت دراميا عبر مجموعة من القصص، مقدمة بأسلوب يحمل من المرونة ما يحمل، مكتسيا شخصية جزائرية، تجلت في الحوار والموسيقى (موسيقى الديوان) واللباس، والمكان الذي يعكس أحد أحياء مدينة وهران، حيث وفق المخرج في الحلقة الأولى، في إظهار المكان من خلال مشهد طويل وسلسل للطفل "رامي"، وهو يخرج من قاعة الرياضة راكضا بين الأزقة والطرقات، ليتبين أن أحداث المسلسل تجري في مدينة ساحلية وهي وهران. ظهرت شخصية "حسني" (أدى الدور عبد القادر جريو) بشكل طاغ، ولا يكاد يكون غائبا في أغلب مشاهد المسلسل، وكونه البطل الأول للمسلسل لا يبرر حضوره المكثف، قد يكون رهان المخرج على نجم محبوب عند الجمهور الجزائري، لكنه ليس مبررا دراميا. يعيش "حسني" حالة من النفور من زوجته، بسبب لقمة العيش التي بالكاد تغطي مصاريف أسرته، زوجته "سارة" (أدت الدور ياسمين عماري)، وابنته "آية"، بسبب تدخل عائلة "سارة" في حياتهما، ومساعدتهم في قضاء مستلزمات البيت، ف"حسني" يعيش من تجارة غير مستقرة في سوق شعبي، كثيرا ما تداهمه الشرطة. من جهة أخرى، يروي المسلسل قصة "نصرو" (أدى الدور مصطفى لعريبي) الأخ الأكبر ل"حسني"، وهو رجل يعاني من مشاكل مادية، ويرى في تزويج ابنته المراهقة "ليديا" لصديقه المغترب "الجيلالي" (سمير بوعناني) حلا سريعا لكل انشغالاته، وتحاول زوجته "جميلة" (أدت الدور سامية مزيان) منعه. في المسلسل أيضا، قصص أخرى عن "إلياس" (أدى الدور محمد خساني) و"الغالية" (أدت الدور سهيلة معلم)، إذ ينتظر "إلياس" خروج والده من السجن حتى يتمكن من خطبة "الغالية"، غير أن المشكل يتمثل في أنه يعيش حالة حب من جهة واحدة، ف"الغالية لا تبادله الشعور". وكذلك قصة "نبية" (أدت الدور فضيلة حشماوي)، وزوجها "مقداد" (نمير بن سعيد ناصر الدين)، هذا الأخير له زوجة ثانية وابن منها، يعيش في عالمه الخاص، أما "نبية" فتحاول في كل مرة حل مشاكل العائلة التي لا تنتهي. "بابور اللوح" الذي تأجل لسنتين من أجل عرضه بسبب وباء "كورونا" في 2020، وعدم وجود قناة تلفزيونية تعرضه في عام 2021، دخل السباق الرمضاني لهذا العام، محققا مشاهدات عالية على منصة "اليوتيوب".