انطلقت الدورة ال53 من مهرجان مسرح الهواة، حاملة شعار "إرث الأجداد أمانة الأجيال"، أول أمس الإثنين، بدار الثقافة "ولد عبد الرحمان كاكي" في مستغانم، في جو احتفالي مسرحي بهيج، حضرته وجوه فنية من المدينة وخارجها. في رسالة من وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، إلى المهرجان، قرأها ممثلها المفتش المركزي حمزة جاب الله، جاء فيها أن مهرجان مسرح الهواة، وهو من أعرق الفعاليات الثقافية المسرحية ليس في مستغانم أو الجزائر، فحسب، بل في إفريقيا والوطن العربي، لجدير بأن يكون الواجهة الثقافية الأكثر إشراقا لأصالة الروح الفنية لأبناء المدينة، الذين توارثوا هذا التقليد الثقافي النبيل وسلموه جيلا بعد جيل، ليظل العرس الأكبر للمسرح والمدينة معا، يبعث في الناس قيم النبل والمحبة والإبداع. وتابعت مولوجي تقول، إن هذا المهرجان وعبر مسيرته الطويلة، التي تزيد على نصف قرن، كان ولا يزال مدرسة فنية مهمة في المشهد المسرحي الجزائري والمسرح العربي على حد سواء، بفضل جهود أبنائه وحراسه من مختلف الأجيال، بداية من الجيل المؤسس الأول، على غرار ولد عبد الرحمان كاكي وجيلالي بن عبد الحليم، وغيرهما من الأسماء اللامعة، التي لا يمكن لمستغانم ولا للمهرجان ولا للجزائر أن تنسى أفضالهم ونضالهم الثقافي. من جهته، اعتبر محافظ المهرجان محمد تكيرات، في كلمته التي ألقاها على هامش الحفل، أن عودة المهرجان انتصار للإرادة الفنية للمدينة وفنانيها. كما وجه المحافظ امتنانه لجميع المساهمين والعاملين على إعادة إطلاق المهرجان، في دورة كانت للاستمرارية وتواصل الأجيال. وقد منح حضور الفرقة الفنية المستغانمية تحت قيادة المايسترو أمين نياتي، نكهة خاصة للحفل، من خلال المقاطع الموسيقية التي أدتها رفقة المنشد بلعاليا بن دهيبة، تكريما لذاكرة الموسيقي الراحل تواتي بحفيظ. كما تميز الحفل الذي عرف حضور عدد من الفنانين والمسرحيين، عرض شريط من توقيع المخرج علي عيساوي، عاد من خلاله إلى مسار المسرحي الراحل جمال بن صابر، الذي حملت هذه الدورة اسمه، وتوقف أيضا عيساوي من خلال الشريط، عند تاريخ مهرجان مسرح الهواة وما قدمه من أعمال وأسماء فنية، تبقى بصماتهم راسخة في سجل المسرح الجزائري عامة، وذاكرة مستغانم خاصة. من جهة أخرى، جسدت جمعيات "الموجة"، "ولد عبد الرحمان كاكي" و"الإشارة" شعار المهرجان "إرث الأجداد أمانة للأجيال"، حيث أبدع شباب الجمعيات في تقديم مقاطع من مسرحيتي "البخار" و"القراقوز"، للفنان الراحل ولد عبد الرحمان كاكي، بصورة جميلة شدت القاعة وتفاعل معها الجمهور بشكل رائع، تجسدت في لوحات فينة جميلة ومتناغمة، قدمها شباب الجمعيات المسرحية الثلاث. وكرمت محافظة مهرجان مستغانم لمسرح الهواة في دورته 53، خلال الافتتاح، بعض الوجوه الفنية في عالم الركح، الذين قدموا الكثير من الأعمال، وساهموا في تطويره والحفاظ على استمرار هذا المهرجان منذ عقود، ولعل الوجه الفني الأهم الذي وسمت الدورة باسمه، هو الراحل جمال بن صابر، اعترافا له من طرف القائمين على دوره الكبير في تقديم أعمال بقيت خالدة إلى حد الساعة. كُرم المحافظ السابق السيد محمد نواري، الذي اعتبرها لفتة طيبة من الشباب القائمين على هذه الدورة، وعلى رأسهم المحافظ محمد تكيرات، وقال "أنا سعيد جدا بوجودي هنا اليوم في حفل الافتتاح الجميل، وأتمنى النجاح والاستمرار، وأتمنى كذلك أن تكون انطلاقة جديدة بعد الانقطاع لدورتين، كما اعتبر هذه الدورة عرسا بالنسبة لنا، ولكل محبي الركح، التكريم هو وقفة تدفعني للعمل أكثر في هذا المجال". والتفت المهرجان للراحل الفنان تواتي بحفيظ، وفي هذا الشأن، قالت ابنته "أشكر القائمين على المهرجان على التكريم وأتمنى أن تعرض أعمال والدي مستقبلا". من جهته، قال الفنان عبد القادر جريو "أولا، شرف لي أن أكون المحافظ الشرفي لهذه الطبعة لمهرجان يعتبر الأقدم والأعرق، مدينة أحمل لها الكثير من الحب، وأغتنم المناسبة، لشكر كل الممارسين الحقيقيين للمسرح، وسعيد بهذا التكريم"، كما تم تكريم رشيد جرورو الذي غاب عن الحفل، وناب عنه أخوه محمد جرورو. الجدير بالذكر، أن ساحة "الشهيد عبد الكريم العياشي" وسط مدينة مستغانم، شهدت أول عرض مسرحي في إطار فئة مسرح الشارع، عنوانه "القافلة"، لتعاونية "الديك" لسيدي بلعباس. وأبدعت شخصيات "القافلة" في تقديم عملهم الفني في الشارع، وسط جمهور كبير من مختلف الفئات العمرية، وتفاعل مع عرض زاوج بين الفن الركحي والحكواتي، مما جلب انتباه وتركيز الحضور واستمتاعهم، حيث رافق البندير والقيتارة والطبل كل حركات وأداء الممثلين الذين أبدعوا واستغلوا معظم فضاء الساحة، كما كان تعبير الجمهور عن إعجابه بالعمل بتصفيقات حارة في نهاية المسرحية، وعبارات الشكر. العمل المسرحي "القافلة" الذي قدم عرضه ال20، وفق المشرف على التعاونية قادة بن شميسة، مستنبط من قصة الكاتب كريستيان اندرسون المترجمة لسبع لغات، وتروي علاقة الحاكم المغرور الذي يحب الألبسة الفخمة والراقية، فيتحايل عليه أفراد الحاشية، حيث يزرعون في نفسيته طمع الحصول على لباس لا يراه سوى القادة الكبار والعلماء وذوو الجاه في الإمبراطورية، وفعلا، ينصاع لهم لغاية أن يتركوه عاريا، وهو يعتقد أنه يرتدي لباسا مرصعا بالذهب والجواهر الثمينة والأحجار الكريمة، ولا أحد يخبره بما يحدث معه سوى صبي صغير، يقول له "إنك تمشي عاريا يا إمبراطور"، ساعتها يستفيق من غروره ويدرك أن الحاكم يجب أن ينتبه للرعية التي ربما هي الوحيدة التي تقول له الحقيقة، بعيدا عن الزيف والكذب الذي يغرق فيه مع حاشيته المقربة.