يستمد الفنان مبرك جمال الدين إبداعاته من التراث الجزائري الأصيل، الذي يبقى على الدوام حيا معطاء وملونا بالحياة والتاريخ، يتصور جليا في الكلاسيكيات الفنية، وفي الأرشيف الفوتوغرافي، ناهيك عن المنمنمات والزخرفة والخط العربي، وكلها مما يفضله الجمهور الجزائري المولع بالتراث وفن الواقع. يقدم الفنان العصامي جمال الدين مبرك لوحاته، ضمن معرضه "سحر التراث الجزائري"، المقام إلى غاية 18 ديسمبر الجاري ب"سيتي سانتر مول" بحي الموز في العاصمة، حيث تجتمع أعماله لتحكي تراثا سلب من قبله الفنانين والمستشرقين وعموم الجمهور، كيف لا وغناه باد وساحر لا يقاومه الذواقون والمنبهرون بما كان يعرف فنيا ب"سحر الشرق"، علما أن للجزائر نصيب الأسد في هذا التراث الفني الباقي، رغم تطور المدارس والاتجاهات الفنية عبر العالم. قال الفنان مبرك خلال حديثه ل"المساء"، إنه يعرض 25 لوحة، بعضها مقترح للبيع، تلبية لطلبات الزوار الذين يحرص بعضهم على الشراء. وأكد أنه مولع بالرسم منذ أن كان طفلا يرسم وحده في هدوء ومتعة، ومع السنوات، قرر أن يصقل هذه الموهبة ويظهرها للعلن الواسع، فدخل إحدى دور الشباب ليدرس على يد مختصين. بالنسبة للتراث، أشار مبرك إلى أنه ميال لكل ما هو أصالة وتاريخ، فأراد استثمار ذلك في لوحاته، مستهدفا بها أكثر، جمهور الشباب، ليربطه بهويته وذاكرة أجداده، وهنا يذكر "أردت أن آخذ بيد الشباب لهذا المربع الهام من الانتماء، بعدما لاحظت أن الكثير من شبابنا مهووس بالآخر الموجود ما وراء البحر و"الريح اللي يجي يديه"، فكاد أن ينسى تقاليده وقيمه، وهو المعول عليه لحفظ تاريخ وثقافة شعبه". تضمنت لوحات مبرك العديد من المعالم التراثية والتاريخية، منها اللباس التقليدي، ك"حايك" المرأة الجزائرية، ومنها البورتريهات لشخصيات ترتدي لباسا تقليديا، وأيضا بورتريهات لشخصيات وطنية، منها الأمير عبد القادر وبن بولعيد، وأيضا جانبا من المقاومات الشعبية وغيرها، وتحدث الفنان بالمناسبة، عن لوحة تحمل مكانة خاصة عنده، متعلقة باسترجاع جماجم المقاومين الشهداء سنة 2020، وكيف وُشحت بالعلم الوطني في استقبال رسمي بحضور أفراد من الجيش الوطني الشعبي، وعلى ذكر لوحة جماجم الشهداء، أشار الفنان إلى أنه تقدم بها لمسابقة "بريد الجزائر"، لكنها ألغيت في ظروف غامضة. لوحة أخرى مجاورة تصور طائرات حربية (سلاح الجو)، لإبراز تواصل مهمة الدفاع عن حمى الجزائر منذ المقاومة وحتى اليوم، علما كما يوضح مبرك- أن هناك فنانين أجانب ينجزون نفس العمل عن بلدانهم، كنوع من التوثيق. تتوالى اللوحات، منها تلك العاكسة للطبيعة الجزائرية الفاتنة، الممتدة عبر أرجاء الجزائر القارة، وما فيها من سحر وتنوع، فمن قرى جرجرة الشامخة بجبالها، وبساطة العيش فيها جنبا إلى جنب مع الطبيعة، حيث تظهر السيدة القروية تشق الطريق صعودا للعمل في البيت وفي الفلاحة، كذلك الحال مع تراث الفانتازيا التي يحملها الفارس العربي المغوار وهو على حصانه الرشيق في تظاهرات معسكر وتسمسيلت وسعيدة وغيرها، ثم رحلات الصيد بالبادية (منها بالمسيلة وبوسعادة ) وكيف تحمل كلاب الصيد ما يجنيه صاحبها، كما تظهر مدن وأماكن أخرى بكل ما فيها من عمارة وطبيعة وغيرهما. لوحة "العيش في سلام" وضعت في مدخل المعرض، بها حمامات السلام البيضاء وبجنبها خريطة فلسطين الملونة بألوان الصمود والحياة، وبها أيضا كفان، على أحدهما قارة إفريقيا، وعلى الآخر أمريكا اللاتينية، تعكس، كما أوضح الفنان، ارتباط الجزائر بالقضايا العادلة لشعوب العالم الثالث. من اللوحات أيضا؛ لوحة "الرجل الأزرق الترقي" التي كانت غاية في الدقة والإبداع، كذلك لوحة الفانتازيا بمعسكر، وهنا أوضح أنه يقوم بتصوير هذه الصور حية فوتوغرافيا، ثم يحولها إلى لوحات، مع إثرائها فنيا، خاصة من حيث الألوان والتفاصيل. ولوحات أخرى من "ريبيتوار" المدرسة الكلاسيكية، خاصة المتعلقة بالقصبة، منها "حامل الماء البسكري" الذي يقوم بسقاية البيوت مقابل أجر مالي، ولوحة "نساء جزائريات" يقفن أمام البئر، وهي بالأبيض والأسود. أشار مبرك، إلى أن الكثير من لوحاته استلهمها من الأرشيف المصور، الذي يعود إلى زمن الاستعمار، ليعيد لها الحياة ويقدمها لجيل اليوم، وطبعا في ذلك لمسته الخاصة وألوانه المختارة، منها ألوان القهوة ومداد الحبار، وكذا الألوان الترابية الظاهرة، مثلا في برنوس الأمير عبد القادر، ولعل من اللوحات التي أخرجت من الأرشيف القديم، ولم يسبق لها الظهور في أي معرض، هي لوحة المؤذن، وهو ينادي للصلاة، وكذا رحلة صيد. قال الفنان، إن الجمهور يتوافد على معرضه ويسأل عن مضامين اللوحات وعن اللباس والتقاليد، وغالبا ما يطلب ثمن اللوحة، وهنا أوضح أن الجمهور عندنا مرتبط بالكلاسيكيات، منها المنمنمات، التزهير، الزخرفة والمدرسة الفنية الواقعية، مشيرا إلى أنه استعمل فن خط النسخ في لوحة جماجم الشهداء ولايزال يسعى إلى تطويره في أعمال أخرى. بالنسبة للمعارض، لمبرك العديد منها في أغلب المناطق والولايات، عبر المهرجانات والصالونات الوطنية منذ عام 2008، كما أقام معارضه في كل من مصر وتونس والأردن وفي تركيا، وستكون هناك ألمانيا وفرنسا. ويبقى هدف هذا الفنان، إبراز التراث الوطني من خلال البحث الدائم، كما يبقى نشطا ومتكلا على إمكانياته الشخصية، من دعاية وفضاءات عرض وتنظيم وغيرها، يقوم بكل ذلك بنفسه، ليلتقي الجمهور.