تختتم اليوم برواق ”عسلة” بالعاصمة فعاليات المعرض الجماعي النسوي الذي يدخل ضمن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ويتضمّن إبداعات ذات لمسة أنثوية ساحرة تبوح بأسرار الأنثى التي ظلّت حبيسة الكتمان، بريشة ثماني فنانات جمعهما الثامن مارس وهو العيد الذي تنطلق فيه المرأة كي تعبّر عن نفسها ككائن له الحق في الوجود، تحلم بثامن مارس آخر أفضل يعطيها مزيدا من مكاسب تستحقها وناضلت من أجلها. المرأة الفنانة لا تختلف عن غيرها من بنات حواء تمتاز بالجرأة في طرح الهم الذي لا يزال ينهك كاهل هذا الكائن مرهف الإحساس الذي خدشه الظلم والكبت بقصد أو بدون قصد، وتصدّرت المعرض لوحات الفنانة صحراوي كريمة التي حضرت بأسلوبها التجريدي المعبّر عن المعاناة التي استمرت عبر الأزل لتتميز أعمالها بالسواد الممتد عبر عدّة لوحات وبشكل فض يوحي بحجم هذه المعاناة البشعة التي ولدت اليأس والإحباط، تتخلّل هذا السواد خطوط صفراء صاخبة لتغزو كلّ اللوحات وكأنها ثورة تنبعث من الظلام الحالك تتحوّل أحيانا إلى دوائر على شكل دوامات متغلغلة ينبعث منها الألم والبؤس غالبا ما يتجسد في ملامح وجه المرأة العبوس الذي يوشك على الوقوع إلى الخلف، وتبرز في لوحة أخرى الصرخة جلية من وراء القضبان بعدما فاض الكأس بالمر. الفنانة بايو فايزة فضلت الأسلوب التجريدي مشكلة من الألوان دوامة تشبه شكل المجرة يغلب عليها اللون الأزرق بكل تدرجاته تقطعه أحيانا بقع وخطوط بيضاء ناصعة أما الخلفية فهي من الرمادي الداكن والمحبب، إلى جانب دوامة أخرى بألوان الأنثى الوردي القاتم والبنفسجي وكأنها اختصار لعالم المرأة المشع بالجمال والتناسق. واختارت هوادف جهيدة الأسلوب الساذج الذي صوّرت من خلاله شخوصا مبهمة الملامح تتصدر اللوحة مع حضور لحيوانات أليفة ولطبيعة ملونة في فضاء مزهر، ويبرز في لوحة أخرى زوجان هادئان يكمل أحدهما الآخر وسط محيط تتناثر فيه الأشكال والقطع الهندسية المصغرة و”الخامسات” والنخيل باسق القامة، فيما اختصرت لوحة أخرى بألوانها الداكنة حضارة التاسيلي من خلال الرسومات المحفورة على الجداريات. وعرضت الفنانة باش سايس لوحة من الحجم الكبير يتجسّد فيها الحرف العربي من خلال لفظ الجلالة الذي يتوسّطها باللون الأزرق الجميل تحفه المنمنمات ذات الزخرفة الإسلامية بألوان فاتحة تجمع بين الأزرق والوردي والقمحي. لم تبتعد الفنانة ضيف الله آمال عن فن المنمنمات والخط العربي والزركشة المستوحاة من التراث القديم وتبدو لوحتها كجدارية مهرّبة من متحف تنطفئ فيه الأضواء ليبقى الشعاع الخافت سيد المشهد، كما تبرز في هذه اللوحة الخطوط والأشكال الهندسة المعمارية الإسلامية، في اللوحة المجاورة تبدو لوحة أخرى في المنمنمات مزدحمة بالأشكال المتداخلة التي تبدو على شكل نجم ضخم مزهر بالألوان والنباتات المختلفة. واختارت الفنانة بنينة زينب حسينة المدرسة الكلاسيكية الواقعية لتطلق العنان للألوان الزاهية، منها لوحة تصوّر بيتا جميلا وسط دروب الغابة حيث يبدو النقاء والصفاء والهدوء، أما في لوحة مجاورة فتجلس امرأة حسناء ترتدي لباسا تقليديا فاتنا ورغم ذلك يبدو الحزن واضحا على وجهها الجميل، فيما خصّصت اللوحات المتبقية للقصبة وذلك باستحضار الهيئة التي كانت عليها في القرون السابقة حيث كانت تعجّ بحركة الصناع وبزيارات العائلات وبالأسواق العامرة التي تحمل إليها الخيرات، القصبة التي ولدت فيها الأجيال المتعاقبة التي ملأت الأزقة والدروب باللعب والنط مرتدية لباسها الجزائري الأصيل، القصبة هي أيضا القصور التي تزيّنت بالأثاث والأفرشة الفاخرة التي بسطت للأعيان والزوّار. شاركت في المعرض أيضا الفنانة الأجنبية، شانتال فييلا، بصورتين فوتوغرافيتين كبيرتين، إحداهما لسيدة من الهنود الحمر بالمكسيك ترتدي هي وابنها الذي تحمله زيا تقليديا وهي فخورة بذلك لأنّها تدافع عن أصولها المتجذرة في هذه القارة، أما الصورة الأخرى فهي من كرالا بالهند لامرأة صغيرة في السن تعيش حالة الفقر في منطقة نائية تحمل صغيرها العاري المتشبث برقبتها يحلق في عدسة التصوير التي لم يألف مشاهدتها من قبل. الفنانة حدار ليندة أبدعت في الخط العربي وتفنّنت في تشكيله حيث ركّزت ليس فقط على الحروف بل امتدت إلى ”التشكيل” فبدت الشدة، الفاصلة، النقطة والمدة وكأنّها تخرج من فوهة بركان بألوان اللهب. بالمناسبة التقت ”المساء” بالسيد عمر خيثر المشرف على الرواق، الذي أشار إلى أن المعرض كان نتيجة مجهودات بذلت كي يكون ”رواق عسلة” في موعد 8 مارس، من خلال الاتصال بفنانات مبدعات من مدارس فنية مختلفة لبت معظمهن دعوة المشاركة في هذه الاحتفالية الراقية، يقول المتحدّث ”كان من المفترض أن يقام معرض تشكيلي من بداية مارس وحتى ال15 منه ينشطه ثلاثة فنانين هم مصور، نحات ورسّام وكلّهم من ولاية أدرار لكنهم اعتذروا قبل ثلاثة أيام من الافتتاح فكان القرار بوجوب تنظيم هذه التظاهرة الأنثوية وهنا أقول أنه لا يمكن أن نترك الرواق في حالة فراغ أبدا حتى ولو تطلب الأمر منا تصرفا ارتجاليا وهذا لتفادي رؤية جدران المعرض فارغة بائسة تحرم الجمهور متعة الدخول والاستمتاع بالفن”. ويبقى المعرض بصمة أنثوية بامتياز تعكس مشاعر حواء واهتماماتها ويعكس أيضا التمكّن الذي اكتسبته الريشة الأنثوية عندنا ومدى قدرتها على إثارة مختلف القضايا من راهن وماض بتقنيات راقية وبخطاب صادق بعيد عن التكرار والاجترار من أجل لفت الانتباه أكثر لهذه القضايا وأيضا لهذه المواهب التي تستحق التثمين والاعتراف ليس فقط في عيد المرأة بل في كلّ وقت وحين من أجل أن يستمر الإبداع وأن يستمر الفن الناطق بالأنوثة في مسيرته نحو التألق والتميز.