يختلف مفهوم العطلة عند الجزائريين باختلاف مستوياتهم ومشاربهم، ولكن القاسم بينهم هو الاتفاق على ضرورتها، حتى يتمكن الجسم من اخذ قسط من الراحة يستجمع من بعدها قواه ويشحذ العزيمة في بدء موسم عمل أو دراسة طويل يمتد أسابيع وشهورا يتقلب خلالها المزاج بين خطوط سوداء وأخرى وردية أو بين جد وخمول، وهذه هي النفس البشرية... سواء للطالب أو للعامل، تمثل العطلة فاصلا حقيقيا لا بد منه، وقد لا نختلف إذا قلت أننا ننتظرها بصبر طويل، خاصة كلما شعرنا باقتراب موعدها فإن خمولنا يتضاعف، وحجتنا أننا سنخرج في عطلة ثم "ربي يرحمها"، ولكن سؤالنا لثلة من المواطنين كان يدور حول "هل نملك كجزائريين ثقافة العطلة؟"... وجاء تحليلنا للأجوبة المستقاة، أن قضاء العطلة السنوية يختلف باختلاف المستويات والميولات والمدخول أيضا، فبالنسبة للبعض تبدو العطلة السنوية مقدسة، إلى درجة أن التخطيط لها يبدأ بمجرد الإحساس بنسمات الربيع الأولى.. كما أن هناك من تفرض عليه العطلة وأين يمضيها مثلما هو الحال بالنسبة للتلاميذ، الذين لا يهمهم المكان بقدر ما يهمهم الاستمتاع بالأزرق الكبير.. كما أن الماكثات بالبيوت لا يرين فرقا كبيرا بين أيامهن مثلما أسرته لنا إحداهن قطعنا عليها حديثها مع صديقتها بشارع بيشة، وترى أن العطلة بالنسبة لها هي السفر إلى سطيف حيث تلتقي كل العائلة في شهر أوت لإقامة الأفراح والولائم.. وهناك من لا يتعب نفسه في التخطيط لأن الشركة التي يعمل بها تضع أمامه عدة خيارات للالتحاق بمخيمات عائلية بعدة ولايات ساحلية أو جنوبية. وبهذا تكون تلك الشركة قد أزاحت من أمامه عبء التخطيط أو حتى التساؤل عن وجهة يقصدها أيام عطلته الطويلة، مثلما تكشفه لنا سيدة استوقفناها بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة نسألها في الموضوع، فقالت لنا أنها لا تتصور قضاء عطلتها بين جدران البيت، وإنما تنتظر شهر أوت لتقصد المخيم الصيفي في أية ولاية تقترحها عليها شركة النقل بالسكك الحديدية حيث تعمل، حتى تقصدها رفقة ابنها صاحب 18 ربيعا. وتواصل أنها زارت تقريبا كامل الولايات الساحلية للوطن منذ أكثر من 13 سنة، حينما بدأت تستغل فرص التخييم العائلي مع عائلات "الشومينو" من عدة مناطق.. وهي العطل التي سمحت لها بتكوين علاقات صداقة مع اسر جزائرية ما تزال مستمرة حتى خارج إطار العطل السنوية. ولقي سؤالنا لشاب كان بصدد إجراء مكالمة بأحد "محلات الهاتف" بشارع حسيبة، تنهيدة كبيرة وهو يسألنا بدوره " ما عساي أقول!! صحيح أن العطلة مهمة، ولكنها عندنا كجزائريين مرادفة للنوم الطويل، الاستهلاك والتبذير.. لم أر في محيطي يوما إنسانا سأل نفسه ماذا سأفعل في عطلتي أو كيف لي أن استغلها أحسن استغلال بطريقة لا اندم بعدها على مضيها هباء منثورا.. ولا أرى أن السفر إلى مدن ساحلية قصد الاستجمام عطلة، وإنما أن يجمع الاستمتاع بالبحر بالسياحة الاستكشافية، أي ان نقصد مدينة ساحلية لجمال شواطئها من جهة ولاستكشاف تاريخها.. فبلادنا تزخر بموروثات تاريخية كبيرة علينا البحث عنها والتعرف عليها، لا ان نترك الاستكشاف للسياح الأجانب ونغض الطرف نحن الجزائريون عنها."... أما أحدهم وهو أب لثلاثة أطفال من حي باب الوادي بالعاصمة، فيقول انه من المستحب اخذ عطلة سنويا على الأقل لإراحة الجسم الذي لديه علينا حق، ولكنه لا يقصد أي وجهة وإنما يفضل مثلما يكشفه لنا، المكوث مع زوجته ليساعدها في شؤون البيت حتى يتذكر كم تشقى وتتعب طوال أيام السنة، وحتى يشاطرها تربية الأولاد فهو يرى أنها أسمى وظيفة وجد لها الإنسان، فالأولاد هبة من الله التي سيسأل عنها.