استعرض الدكتور محفوظ سماتي أوّل أمس، بالمجلس الإسلامي الأعلى في محاضرة ألقاها أمام مجموعة من المثقفين وشخصيات تاريخية "سياسات الأمير عبد القادر داخل الوطن وخارجه سنوات الجهاد والمقاومة". استهل الدكتور محفوظ سماتي محاضرته بطرح سؤال، "ما هي السياسة؟" ولخصها في مقولة "هي جلب المنافع ودفع المضار"، ثم أردف القول: "السياسة تفهم من خلال سلوكات الأفراد فتكون إما عقلانية أوتقليدية (قدسية) وهنا ترجع لسلوكات المجتمع حتى تمارس كسياسة معينة"، وأضاف المحاضر "الديمقراطية هي التي تملي هذه السلوكات في المجتمعات غير التقليدية، أما المجتمعات التقليدية فإنها تمشي على الطريقة التقليدية، وهذا يذكرنا بالزعماء الذين لهم القول الفصل ولا يحاسبهم أحد". ويرى الدكتور محفوظ سماتي في الأمير عبد القادر أنه أول المجددين الذين ربطوا بالخلافة الراشدة إلا أنه بالغ في تقليده الخلفاء حينما قال مقلدا الخليفة الأول: "أحكم والسيف في يميني والشرع في يساري وإن اقتضى الأمر أن أفتح جرحا في عنق أخي أفعل ذلك". وقسم المحاضر حكم الأمير إلى ثلاث مراحل ذكر منها اثنتان هي: مرحلة البناء والتشييد والاتفاقيات التي انتصر فيها على عدوه وتبين أن له تفوقا وذكاء في تصرفاته، أما عن صفات الأمير فأكد المحاضر أنها تتسم "بالسذاجة الإسلامية"، حيث كان يقول: "من خدعنا في الله خدعنا له". ويضيف سماتي بقوله أن الأمير كان يثق بمن يتعامل معه، وكانت ثقته كاملة في مولاي عبد الرحمن سلطان المغرب، كما تطرق المحاضر إلى انجازات الأمير في هذه المرحلة ورأى أنها بلغت القمة إلا أنه لم يشيد مسجدا، وكانت له في هذه المرحلة سياسة خاصة. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة يقول المحاضر تغير فيها كل شيء، الأمير أصبح في مقاومة شرسة، هيأ جنودا المشاة والخيالة، بل أهتم بالمشاة أكثر من الخيالة، هذا الجيش المحمدي كان جيشا يسمى بأبناء الأمير، وكان هذا الجيش في المقدمة والفضل يرجع "لبرويلة". ويرى المحاضر أن عبد الله عصفور أول قنصل لفرنسا في معاهدة: "دي ميشال" التي جرت في معسكر. ورأى المحاضر أن إنشاء سلاح المشاة كان من أجل تحقيق الاستقلالية من العشائر حتى لا يبقى الأمير تحت تصرفهم، هذا الجيش هو الذي قاوم في الفترة الثانية التي كانت أسبابها اختراق اتفاقية تافنة. كما استعرض المحاضر الكثير من الأحداث التي واجهت الأمير عبد القادر في داخل الجزائر مع القبائل المختلفة وكذا علاقته بباي قسنطينة والخلافة العثمانية وسلطان المغرب لغاية "استسلامه" أوأسره كما تقول حفيدته الأميرة بديعة التي تنفي عليه الاستسلام. وكانت المداخلات من قبل الحاضرين ثرية ودقيقة، حيث تناولت الأمير بمناقبه ومثالبه والظروف التي أحاطت به وهو يواجه أكبر إمبراطورية في العالم بجيش صليبي شن الحرب باسم الصليب والمسيح من خلال ما تبينه رسالة ملك فرنسا لجيشه الغازي. للتذكير فإن الدكتور محفوظ سماتي أستاذ في علم الاجتماع، جامعة الجزائر، وعضو بالمجلس الإسلامي الأعلى وله عدة مؤلفات منها: النخب الجزائرية أثناء الاستعمار، تكوين الأمة الجزائرية، تحقيق مذكرات الأمير عبد القادر، مراسلات "دوما "، بالإضافة أنه بصدد تحقيق كتاب عن سيدي خليل.