مع حلول الاحتفال بعيد الاستقلال والشباب، ترجع إلى الذاكرة أول مشاركة جزائرية في مهرجان الشبيبة العالمية بالعاصمة البولونية فارسوفيا سنة 1955 والذي تبعه من بعد ذلك مشاركة مماثلة في مهرجان موسكو سنة 1957، وقتها كانت بلادنا تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الذي تفاجأ بانفجار الثورة الجزائرية. كان الوفد الجزائري المشارك في مهرجان فارسوفيا ممثلا بالمناضلين المنخرطين في الأحزاب الجزائرية التي كانت تتأهب لدخول معترك الانتخابات المحلية منها بشكل خاص حزب بيان انتصار الحركات الديمقراطية الذي أبى إلا ان يكون حاضرا بقوة في هذا الموعد الرياضي الثقافي الضخم. المرحوم مصطفى كاتب ، الذي كان يرأس الوفد في جانبه الثقافي قال عن هذه السفرية: "مشاركتنا في هذا المهرجان كان لها طابع خاص وهو الانخراط التام للشبيبة الجزائرية في حركة التحرر من الاستعمار، وأتذكر ان أول لقاء مثير للوفد الجزائري كان مع الوفد الصيني الذي زار الجزائريين في مقر إقامتهم وقالوا لنا: جئنا من أجل تحية الشبيبة الجزائرية المقاومة، ومن ثم أدركنا المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقنا خلال فترة تواجدنا في هذا المهرجان لأن مشاركتنا كان لها طابع ثوري ولا بد علينا ان نكون أهلا للذين التحقوا بجبال الجزائر لمكافحة الاستعمار". وأضاف: "كانت لنا لقاءات خاصة مع الوفود الأخرى لا سيما مع ممثلي شمال افريقيا الوفدين التونسي والمغربي من أجل العمل ككتلة واحدة وكان الاعتقاد السائد لدى الوفود الثلاثة انه يتعين على الجزائر والمغرب وتونس التحرر من نير الاستعمار، ولا يمكن لأحد ان ينال الاستقلال بدون الأخر، وهو موقفنا الجماعي خلال مهرجان فارسوفيا الذي سجل فيه الوفد الجزائري نجاحا كبيرا سيما في الجانب السياسي، حيث حاولنا التأكيد ان الجزائر ليست لها آية صلة مع الفرنسيين لا لغة ولا في العادات ولا في المعتقد الديني ولا حتى في حضارته". وتابع بافتخار: "كان لا بد ان نؤكد الشخصية الجزائرية المستقلة عن الاستعمار الكولونيالي والابتعاد بصفة راديكالية عن كل ما كانت الدعاية الاستعمارية تريد إلصاقه بالجزائر، محاولا ان يجعل من أرضنا قطعة من فرنسا". وكان الوفد الجزائري يضم رياضيين منخرطين في فيدرالية الرياضة والعمل حيث لبس كل أعضائه خلال حفل افتتاح المهرجان تبانا وقميصا باللونين الأحمر والأبيض حاملين الراية الجزائرية لأول مرة في ملعب لبلد أجنبي.
رياضيو النصرية في الصدارة
وكان أغلب رياضيي الوفد الجزائري منخرطين ضمن فريق نصر حسين داي أوالاتحاد الرياضي الإسلامي لمدينة الجزائر نذكر منهم عمار عادر، ايت خالد، المرحوم يحيى بن مبروك (الذي لعب فيما بعد دور المساعد في أفلام المفتش الطاهر)، بوشوشي، بوجمعة، كريمو، مطرح، تواتي، زناقي، زرماني، والشهيد محمد زيوي. واستطاع الفريق الجزائري ان يقصي فرق المانيا الفيدرالية وبلجيكا وتشيكوسلوفاكيا، غير ان الحظ لم يسعفه في المباراة النهائية مع نظيره اللبناني، حيث انهزم بنتيجة 2 مقابل 1. وبعد إسدال الستار على المهرجان كان كل أعضاء الوفد الجزائري متخوفون من رد فعل الاستعمار الفرنسي عند عودتهم إلى الجزائر لأنهم حملوا الألوان الوطنية في فارسوفيا. البعض منهم سيما رجال المسرح والثقافة، اضطروا للاختباء بفرنسا حيث واصلوا نضالهم ضمن مجموعة المسرح الجزائري، لكن هذا لم يمنع الجميع من ضرب موعد مع مهرجان موسكو 1957، الفترة التي انقضت بين المهرجانين كانت حافلة بالأحداث في الجزائر المكافحة وأبرزها الهجوم المسلح الكبير الذي قاده زيغود يوسف ورفاقه المجاهدين في الشمال القسنطيني في 1955 وانعقاد مؤتمر الصومام في السنة الموالية، كما سبق مهرجان موسكو اندلاع معركة الجزائر المشهورة التي واجه فيها الفدائيون الجزائريون المظليين الفرنسيين في أحياء العاصمة. وقد حاول الوفد الجزائري المشارك في مهرجان موسكو إبراز هذا الكفاح من خلال احتكاكه مع الوفود الحاضرة في عاصمة الاتحاد السوفياتي سابقا. ويتذكر من عايش هذا المهرجان ان رئيس الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة نيكيتا كروتشاف قام مرة واحدة من مكانه أثناء حفل الافتتاح وذلك من أجل تحية الوفد الجزائري كاعتراف منه بعدالة الكفاح ضد المستعمر الفرنسي. وكانت البعثة مشكلة من فرقة مسرحية يقودها مصطفى كاتب وفريق رياضي بعض أعضائه لا زالوا على قيد الحياة مثل عبد الغاني زيتوني والبعض الآخر استشهد في ميدان الشرف مثل عبدة الذي يحمل اسمه ملعب قالمة.