من المقرر ان تحتضن الجزائر فعاليات الطبعة الثانية للمهرجان الثقافي الإفريقي في الفترة الممتدة بين الخامس و العشرين (5 إلى 20 ) من جويلية 2009 بعد انقضاء أربعين سنة من الطبعة الأولى و ذلك في سياق تاريخي و سياسي جديد يتميز بالجهود المبذولة من اجل التنمية و تجاوز النزاعات الداخلية للقارة، و تستعد الجزائر لتبوء مكانة عاصمة الثقافة الإفريقية بعد أن كانت قد احتضنت سنة 1969 مهرجان الثقافة الإفريقية و كانت المرحلة آنذاك تعيش ظرفا مختلفا جذريا عن الظرف الحالي إذ كان يتميز بحركات التحرر و أفكار الاستقلال و الانعتاق من قيود الاستعمار، بعد أربع عشريات تستعيد الجزائر مكانتها في جو يطبعه أولويات و تحديات جديدة لإفريقيا إذ يتعلق الأمر اليوم بإبراز الواقع الجديد للقارة التي تصبو إلى النهضة و التنمية. لقد كلفت الجزائر من طرف الاتحاد الإفريقي بتنظيم هذا المهرجان خلال قمة أديس أبابا بإثيوبيا في فيفري 2008 و هي اليوم ترفع هذا التحدي بنفس التطلعات التي ميزت مهرجان 1969، إن المهرجان الأول نظم بالجزائر نهاية الستينات للقرن الماضي عندما كانت إفريقيا تحت رحاب أفكار التحرر المولودة في جهنم استعمار و سيطرة دول غربية، و هذا الوضع جاء واضحا في كلمة الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية و الإفريقية السيد عبد القادر مساهل يوم 27 ماي الماضي بمناسبة الاحتفال بيوم إفريقيا عندما قال بان المهرجان الأول نظم في سياق "حركة الانعتاق" و ابرز "الحقائق الثقافية الإفريقية و دورها في التحرير الوطني و دعم الوحدة الإفريقية و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لإفريقيا". إن الطبعة الأولى من المهرجان انعقدت بمشاركة العديد من البلدان الإفريقية التي كانت و لازالت ترضخ تحت وطأة الاستعمار كما هو الحال بالنسبة لحركات التحرر في ناميبيا و انغولا و غينيا بيساو و الحركة المناهضة للابارتايد بجنوب إفريقيا التي قدمت إلى الجزائر في جويلية 1969 سعيا لفرض حقها في تقرير المصير، كما نظم أيضا تحت ظلال منظمة الوحدة الإفريقية (حاليا الاتحاد الإفريقي) التي كانت منغمسة في مهام استكمال تحرير بلدان إفريقيا حيث كانت الجزائر المستقلة حديثا بعد 132 سنة من سيطرة الاستعمار الفرنسي و حرب استقلال وطني مثال لكافة بلدان القارة. إن البيان الثقافي الإفريقي المعتمد بالجزائر سنة 1969 سجل بوضوح انه "بالنسبة للبلدان الإفريقية التي تحررت و تلك التي تعيش نزاعات مسلحة مع القوى الاستعمارية الثقافة كانت و لازالت سلاح للكفاح. و في كل الحالات الكفاح المسلح من اجل التحرير كان و لا زال و بامتياز فعل ثقافي". و في تلك المرحلة كان البيان قد اعتبر الثقافة ك"وسيلة حيوية لتشييد الوطن تتجاوز الاعتبارات القبلية و العرقية من اجل الوحدة الإفريقية بعيدا عن كل شوفينية". و اليوم تغير السياق و انعتقت إفريقيا من الاستعمار عدا الصحراء الغربية التي تعتبر آخر معقل للاستعمار في إفريقيا و التي ستشارك بدورها في الطبعة الثانية للمهرجان كحركة تحرر وطني، إفريقيا حاليا تتميز بإرادة بلدانها القوية في التنمية و الخروج من التخلف و التخلص من النزاعات الدموية الداخلية التي أضحت من أولويات الاتحاد الإفريقي. بالنسبة للسيد مساهل فان الطبعة الثانية للمهرجان ستكون بمثابة "مساهمة من اجل النهضة و التجديد" و كذلك تعبير عن "إرادة إفريقيا لربط حركتها مع متطلبات التاريخ" و ذلك -- كما قال -- يبدو جليا من خلال "الجهود المبذولة لترقية الثقافة و إعطاء دفع قوي للنهضة الثقافية، و سيشارك في المهرجان القادم 49 دولة عضوة في الاتحاد الإفريقي و سينشط 5000 بين فنان و رجل فكر و ثقافة الفضاءات الثقافية للجزائر العاصمة و عدد من المدن الأخرى التي ستحتضن فعاليات المهرجان و ذلك لإبراز وجه جديد لقارة في تحول، "إن الثقافة الإفريقية التي حكم عليها الاستعمار لمدة طويلة بالعجائبية و التي أريد إدراجها في المتاحف تريد اليوم أن تكون تعبيرا حيا للعالم. هذا العالم الذي نسعى لنحتل مكانة فيه و المستقبل الذي نريد المساهمة في بناءه يعرف اليوم مشاكل التنمية و التقدم" هو الحكم و خريطة الطريق للبيان الثقافي الإفريقي ل1969 و الذي يبقى حديثا و صالحا ل"التجديد" الإفريقي بالجزائر في الفترة ما بين 5 و 20 جويلية 2009.