غادر الرئيس الأمريكي جورج بوش أمس فلسطينالمحتلة بعد زيارة دامت ثلاثة أيام ولكنه وعد بالعودة ثانية خلال الأشهر التي بقيت له من عهدته لتحقيق تعهده بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتتويج ذلك بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة· ويؤشر وعد الرئيس بوش بالعودة ثانية إلى فلسطينالمحتلة لإنهاء مهمته على أن زيارته هذه لم تحقق شيئا يذكر على طريق تحقيق سلام تجاهله طيلة عهدته بل إن سياسته كرست المنطق الشاروني في التعامل مع الفلسطينيين وانتهكت كل بنود عملية السلام التي تضمنتها خطة خارطة الطريق وعمل بوش نفسه على إفشال كل مساع دولية أخرى لتطبيقها· ورغم تظاهره أثناء لقائه بالمسؤولين الاسرائيليين في القدسالمحتلة ونظرائهم الفلسطينيين في رام الله بحرصه على الإلتزام بوعوده الا أن تصريحاته وخاصة استعماله لعبارة الدولة اليهودية وكذا كشفه لأول مرة عن تعويض اللاجئين الفلسطينيين عكست حقيقة المقاربة التي يريد فرضها على الجانب الفلسطيني وبما يصب في خدمة الطرف الاسرائيلي· وتجاهل الرئيس جورج بوش عن قصد مسألة المستوطنات اليهودية الكبيرة المزروعة في قلب مدينة القدسالمحتلة ولم يتطرق لآلاف الهكتارات التي ابتلعتها إسرائيل لدى بنائها لجدار الفصل العنصري على طول أراضي الضفة الغربية ورهن حق عودة ملايين الفلسطينيين الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية في 1948 بقوة الحديد والنار من أراض توارثوها أبا عن جد، ووجدوا أنفسهم يحيون المآسي في شتات العالم ومخيمات هي أقرب الى قبور منسية منها إلى مخيمات تليق لحياة آدمي· ويكون الرئيس جورج بوش عندما عرض فكرة تعويض هؤلاء قد طعن في خطة خارطة الطريق التي زعمت إدارته أنها سترعى مسألة تطبيقها وانحاز إلى جانب الموقف الإسرائيلي الرافض لفكرة عودة اكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني رفضوا بعد ستة عقود نسيان قراهم ومدنهم التي أخرجوا منها ويصرون على العودة إليها مهما كلفهم ذلك من معاناة· والواقع أن فشل زيارة بوش لم يكن مفاجأة لكل المتتبعين بل انتظار العكس كان سيشكل عامل مفاجأة وخاصة وأن أقرب المقربين منه أكدوا أنه لا يجب انتظار الكثير من هذه الزيارة سوى تأكيده على وقوفه الى جانب صديقه اولمرت والوقوف أمام تذكار ما تزعمه الدعاية الإسرائيلية بالمحرقة النازية ضد اليهود· ولكن هذه النتيجة لم تمنع رئيس الادارة الأمريكية من تعيين الجنرال الأمريكي ويليام فرازير للقيام بمهمة مراقبة إلتزام الجانبين بتعهداتهما السابقة· ويوحي هذا التعيين الذي جاء في زخم الزيارة "التاريخية" أن تقدما تحقق في طريق تحقيق السلام والحقيقة المرة في الميدان تؤكد أن عملية السلام إن هي تقدمت خطوة فإنها تتراجع بخطوات بسبب سياسة الرفض الإسرائيلية وبدليل كل المثبطات التي تضعها إدارة الاحتلال أمام أية مفاوضات جادة، وتجلى ذلك في كل اللقاءات الثنائية التي جمعت الرئيس محمود عباس بالوزير الأول الإسرائيلي إيهود أولمرت الذي أصبح ضليعا في افتعال المفاجآت أمام الفلسطينيين وقول الشيء ونقيضه في آن واحد· كما أن الرئيس الأمريكي الذي منح لنفسه مهلة عام لتحقيق حلم الفلسطينيين بإقامة الدولة الفلسطينية عاد وراجع حساباته عندما تذكر أن هناك شيئا اسمه حركة حماس وأرض فلسطينية اسمها قطاع غزة، وقال بصريح العبارة ان "غزة تبقى وضعية صعبة ولست أدري اذا كان في مقدورنا حلها هذا العام"· ويكون الرئيس جورج بوش بذلك قد وجد ذرائع مقبولة و"خارجة عن النطاق" لتبرير فشله المرتقب لإنهاء معضلة دولية عمرت لقرابة ستة عقود ويريد تسويتها في أقل من عام وتلك هي مغالطة الرئيس الأمريكي التي ما كان ليوهم بها الرأي العام الدولي والفلسطيني وهو على عتبة المغادرة من البيت الأبيض!؟