يحتضن رواق "فرانس فانون" برياض الفتح، إلى غاية 27 من الشهر الحالي، معرضا جماعيا بعنوان "التلاقي"، يجمع الفنانين عبد الرحمن كحلان وصلاح بارة وسامية شلوفي، الذين تقاسموا معا الألوان والأنوار ومعالم الجزائر وتراثها بتقنيات محترفة. يشع المعرض بالألوان والأنوار ويعكس بهجة الحياة، حيث لا يكاد الزائر يرى الألوان الداكنة أمامه، وغالبا ما تشد اللوحات الناظر بمضامينها المتنوعة وتفاصيلها المستوحاة من اليوميات الجزائرية وبيئتها. التقت "المساء" بالفنان بارة، الذي تحقق أعماله رواجا كبيرا، وتعرف دون ذكر اسمه، وعن أسلوبه الذي يعكس المرأة بكل تفاصيل حياتها، قال "لي 21 أختا، فأبي كان له زوجتان، بالتالي نشأت في وسط حريمي بامتياز، كما أن والدتي وإحدى أخواتي كانتا خياطتين، وتأتيهما نسوة المدينة بالقماش وبالحكايات، ناهيك عن بعض الأغراض التي استغليتها في لوحاتي فيما بعد، منها مثلا "القردون" الأبيض المأخوذ من حواشي الأقمشة، علما أنني عندما عرضته بالعاصمة، قيل لي، إنه بني مخطط، فأجبت أن ذلك "قردون" العاصمة. يضيف المتحدث "نشأت في إحدى قرى سوق أهراس وأحببتها كثيرا، وأحببت حياة الناس فيها، وجلساتهم، خاصة في طفولتي، حينما كانت العائلات، خاصة منها النسوة، تجتمع أمام التلفزيون أو المذياع لمتابعة مسلسل ما، كما كانت قريتي ملهمتي من خلال بيوت القرميد الجميلة وطبيعتها. كنت وأنا طفل أذهب لأطراف القرية، حيث بيوت التراب والطين التي تطلي النساء جدرانها الداخلية بالألوان الزاهية، ثم تضع الأيادي على الدهان لتوقع بالخامسة، وكانت بالفعل أعمالا فنية رائعة، كما كانت أمي تستغل بعض الحجارة التي تكون بالقرب من سكة القطار، لتستخرج منها الألوان وتصنع ريشة الرسم من شعر الماعز، لترسم على أواني الطين، ناهيك عن رسومات إخوتي وعن النسيج الذي به الألوان والأشكال". عن بداياته، قال إن الانطلاقة في هذا الأسلوب الخاص به كانت سنة 2010، علما أنه يعتمد الأسلوب الواقعي، لكن بطريقته المختلفة عن الآخرين، وقبلها، أي من 2008 حتى 2013، كان قد استفاد من المعارض التي نظمها في إطار التبادل الثقافي بين الولايات (30 ولاية)، وأثناء العروض، أعجبته مجموعة الفقيرات التي رافقته، وأحداهن كانت تضع اللون الأزرق فوق وتحت عينها، فجاءته فكرة أسلوبه في رسم نساء لوحاته، وقبلها كان يرسم الطبيعة والتراث وغيرها من المواضيع. عن معرض التلاقي، قال بارة، إن الفكرة كانت لعبد الرحمن كحلان، الذي اقترح هذا الموعد الذي يجمعهم كفنانين يشبهون بعضهم في الرسم والرؤى، علما أن الفنانة سامية شلوفي جاءت من فرنسا خصيصا لعرض لوحاتها، وأضاف" كل فنان جاءه جمهوره، بالتالي تعرف كل جمهور على الفنانين الثلاثة في نفس الوقت، وهذا ما اعتبره مكسبا في حد ذاته". كما أشار المتحدث إلى أن لوحاته تباع خارج الوطن، كان آخرها في مزاد أقيم بباريس في 4 أكتوبر، وسيكون آخر في 24 من نفس الشهر، وعن بداياته قال، إن أول معرض له كان بجامعة عنابة سنة 1994، عندما كان طالبا بقسم البيولوجيا، ولكن مشواره تعطل بسبب العشرية السوداء، فالتفت للقراءة ولكتابة الشعر باللغتين العربية والفرنسية، لتأتيه فرصة العرض بالعاصمة سنة 2002، بتشجيع ورعاية الراحل الطاهر وطار. للإشارة، يشارك الفنان بارة ب18 لوحة في "التلاقي" منها "مشاهد عرس"، "نساء من غرداية"، "حايك المرأة العاصمية" وكذا "حياة البدوية" و"المرأة الإفريقية". وفيما اجتهدت الفنانة سامية شلوفي في إبراز تراثنا ومعالمنا، من خلال لوحاتها التي تغلب عليها اللمسة الأنثوية الناعمة، بلوحات تروي التراث الشعبي، لوحاتها لها طيف باية محي الدين، وبعضا من بابلو بيكاسو، قال التشكيلي عبد الرحمان كحلان، إنه مرتبط بالتراث ويحاول أن يرممه كي يبدو كما كان في زمن ازدهاره، ومن ضمن ما قدمه قصبة الجزائر التي تربى فيها، ويحاول أن يرسمها بهية مرممة، يغلب عليها اللون الأزرق بكل تدرجاته، وقال "كنت أرى والدتي بنت القصبة، وهي تذيب حجر النيلة الزرقاء في الماء لتغسل الملابس البيضاء، كان ذلك يدهشني، ليترسخ هذا اللون في ذاكرتي كطفل، ثم يصبح رمزا للعاصمة والمتوسط، بعدها تغربت لسنين طويلة بفرنسا، وزادت وحشتي وحنيني للجزائر، فكان الرسم سبيلي لربط علاقتي ببلدي ومدينتي الجزائر البيضاء". في هذا المعرض، يقدم الفنان 16 لوحة، منها 3 كتكريم لأخته الفنانة التشكيلية الراحلة زهرة كحلان، التي كانت تعشق الزهور وهو ما انعكس في اللوحات. وعن هذا "التلاقي"، أكد أنه يعكس الانسجام بين الفنانين المشاركين، خاصة في الألوان، وفي الرؤى، وفي تثمين التراث الوطني.