قال الباحث والأكاديمي في مجال المسرح لخضر منصوري أنّه لا يوجد ما يصطلح عليه ب"المسرح الإفريقي" وإنّما هناك تجربة مسرحية في إفريقيا، مؤكّدا أنّ الموروث الثقافي الذي تزخر به القارة استغلته أسماء بارزة في سماء الفن الرابع على غرار المخرج البريطاني بيتر بروك الذي سار على طريق الاستثمار في الموروث الإفريقي الأصيل ليصل إلى العالمية والشهرة، لتبقى التجربة الإفريقية رهينة المسخ وخطر المحو باسم العولمة. وأشار منصوري في حديثه ل"المساء" إلى أنّ جلّ أعمال العديد من المسرحيين من فرنسا، انجلترا وأمريكا، لها بعد فكري نابع من إفريقيا لما تحمله هذه القارة من موروث ثقافي كبير يمكن أن يستثمر في المسرح بدءا بالغناء، الرقص، الإيماءات، التقاليد، الرموز الإفريقية، والأقنعة. ولعلّ من بين أهمّ الأسماء التي اشتغلت على هذا الجانب البريطاني بيتر بروك. وفي هذا الشأن يحاول منصوري إنصاف التجربة الجزائرية في الاشتغال على الموروث الثقافي القديم، وأخذ نموذج الراحل عبد القادر علولة لتسليط الضوء على تجربته، بحيث كشف أنّ علولة اشتغل على أشياء أصيلة مثل "الحلقة" و"القوال"، كما وظّف تقنية التوازن بين المسارح العالمية ومشاربها الثقافية والسياسية، بمعنى أنّه استطاع استيعاب النظرية الملحمية لبير تولد براشت ووظّفها بطريقة جزائرية محضة. وأضاف المتحدث، أن هناك أشياء كثيرة تقال عن علولة والمهم هو عندما نقرأ هذه التجربة نقرأها بوعي، ونكتشف أنّه ذهب إلى أبعد نقطة وهي الاحتفال، وهي الميزة التي استقطبت الجمهور إلى مسرح يشبهه ويشبه أصوله، وذكر العديد من المسرحيين مثل المرحوم ولد عبد الرحمان كاكي، عبد الكريم برشيد والطيب صديقي من المغرب الذين اشتغلوا على نفس الشيء لكن برؤى مختلفة، ويعود الآن المسرح الإفريقي ليشتغل على موروثه. وفي هذا الصدد، تساءل المتحدث "لماذا لا تنهل المسارح الجزائرية والمغاربية من الطاقات الثقافية التي تزخر بها هذه الشعوب، والاستثمار فيها برؤى عالمية وحديثة، لا سيما أمام تداعيات العولمة التي تحاول محو كلّ ما هو أصيل ومحلي كالهوية واللغة؟"، ومن جهة أخرى يرى الباحث أنّ بعض الأفارقة متطوّرون كثيرا في المجال الفكري والثقافي ولا يعكس تطوّرهم هذا، تخلّفهم السياسي والاقتصادي، وقال منصوري "خلال احتكاكي بالأفارقة في المهرجان وجدتهم يقرأون كثيرا ومهتمّون بموروثهم الثقافي ويهتمّون بأصولهم الإفريقية، هم غير مزيّفين هم أفارقة في الروح"، وأشاد بأعمالهم المسرحية التي تلمس فيها التزامهم بروح إفريقيا كموروث ثقافي شعبي، منبّها إلى أنّه من الخطأ أن نشاهد عروضا مسرحية إفريقية بعين نقدية غربية، بل يجب الفهم أنّ هذا هو المسرح لأنّه يشخّص ثقافتهم فقط، كما يجب فهم رموزهم بمعناها الأصلي عند متناوليها. ومن أجل النهوض بهذا الموروث الثقافي وفتح مجالات النقاش العلمي حول المسرح، شدّد المتحدّث على ضرورة تحديد الهوية الجزائرية ذات الفروع الكثيرة، فهل نحن إفريقيون؟ متوسطيون؟ عرب؟، مسلمون؟ أمازيغ، أم نحن هذا الكلّ؟، فالتطوّر التاريخي للجزائر وموقعها الجغرافي جعل منها منطقة استراتيجية ومهمة للتبادل والتلقي، وهنا شدّد أيضا على الذهاب إلى الخصوصيات فالجزائري له ميزاته وسلوكياته، فهل تجده مثلا يستطيع مشاهدة عرض مسرحي لدولة إفريقية تحتوي على رقصة بدائية؟ "هذا غير ممكن" يقول منصوري، لذا لا بدّ من التفكير في تحديد الخصوصيات التي تشبه أصالتنا ويمكننا الأخذ منها، وختم حديثه باقتراح مسعى بيتر بروك واتباعه، بحيث انطلق من المحلية وولج العالمية.