من تحدي الاستيطان إلى تحدي الجدار العازل واصلت إدارة الاحتلال الإسرائيلي سيرها عكس تيار موقف المجموعة الدولية الملحة عليها بإزالة كل العقبات التي حالت إلى حد الآن دون إتمام مسار السلام في المنطقة. وجدد الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس، تحديه للولايات المتحدة عندما أكد أمام نواب الكنيست الإسرائيلي انه لن يزيل أبدا جدار الفصل العنصري المقام على طول حدود الضفة الغربية كما طالبت بذلك العديد من الدول على اعتبار انه اقتطع آلاف الهكتارات من أراضي المزارعين الفلسطينيين. وقال بلغة التحدي، أن الذين يطالبون بإزالة الجدار بمبرر ان أعمال العنف توقفت فيجب أن يدركوا أن تلك الأعمال إنما تراجعت بفضل هذا الجدار. ولمحت مصادر فلسطينية إلى القول أن رد نتانياهو كان على طلب تقدم به الرئيس محمود عباس إلى الرئيس الأمريكي باراك اوباما والذي طالبه بالتدخل لدى إدارة الاحتلال من أجل إقناعها بإزالة الجدار العازل بعد أن تراجعت أعمال العنف في إشارة إلى العمليات الاستشهادية ضد الأهداف الإسرائيلية في الضفة الغربية. يذكر أن هذا الجدار أقيم في تعارض مع كل القوانين الدولية، حيث أكدت محكمة العدل الدولية في جويلية سنة 2004 بعدم شرعيته واعتبرت أن إقامته على طول حدود الضفة الغربية بما فيها مدينة القدسالشرقية منافيا مع القانون الدولي. وأكدت تقارير أممية أن الجدار الذي أقيم على مسافة 709 كلم، 85 بالمئة منه في الأراضي الفلسطينية و15 بالمئة فقط في أرض فلسطين التاريخية وهو ما أدى إلى ابتلاع قرابة 10 بالمئة من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويؤكد تلاحق مواقف إسرائيل في هضم الحقوق الفلسطينية بدءا بالاستيطان والتهويد والجدار العازل ورفض عودة اللاجئين، أن إدارة الاحتلال تريد الدخول في مواجهة مفتوحة مع إدارة الرئيس باراك اوباما لإفشال مساعيه في تكريس مبدأ حل الدولتين الذي رفعه كشعار لخطة تعاطيه مع مسار التسوية في المنطقة العربية. ويتأكد وفق هذا المنطق أن إسرائيل تتعمد اتخاذ كل القرارات التي تتعارض مع هذه الرغبة في رسائل واضحة المضمون باتجاه الرئيس الأمريكي لكي يغير من سياسته العامة في المنطقة في نفس الخط الذي سار عليه من سبقه من الرؤوساء الأمريكيين في البيت الأبيض. وذهب محللون إسرائيليون أمس، إلى حد التأكيد أن حكومة الاحتلال تسير باتجاه الدخول في مواجهة مفتوحة مع واشنطن بسبب الطريق المسدود الذي آل أليه مسار السلام. وقال باحثون إسرائيليون في معهد الدراسات الإستراتيجية والأمنية "انه لا الموافقة المشروطة للوزير الأول بنيامين نتانياهو بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية ولا التفاهمات المحدودة حول الملف النووي الإيراني كفيلة بأن تمنع وقوع هذا الصدام". واقترح هؤلاء على حكومة الاحتلال لتفادي هذه المواجهة التي أكدوا أن نتائجها ستكون خطيرة على إسرائيل، أن تتقدم إدارة الاحتلال بمبادرات خاصة بها وتفادي التركيز فقط على فكرة السلام الاقتصادي الذي اقترحه نتانياهو للتنصل من حل الدولتين من منطلق أنها فكرة ولدت ميتة ولا يمكن أن تكون حلا مقبولا ليس من طرف الفلسطينيين ولكن أيضا من طرف المجموعة الدولية. وقال باحثو المعهد الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية والأمنية أن أفق المواجهة المحتومة مع واشنطن بدأت تلوح في أفق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وأصبحت تثير الانشغال في أوساط مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية الذين ما انفكوا يلوحون بعقوبات اقتصادية على إسرائيل لدفعها على قبول خيار حل الدولتين. وإذا كان ناطق باسم الخارجية الأمريكية استبعد لجوء واشنطن إلى خيار تسليط عقوبات مالية على إسرائيل في الوقت الراهن إلا انه أكد في المقابل انه خيار يبقى مطروحا من بين جملة خيارات أخرى للتعامل مع إسرائيل لدفعها على قبول حل الدولتين. وإذا سلمنا بهذا الاحتمال فإن السؤال المطروح يبقى السقف الذي يمكن للولايات المتحدة أن تبلغه في إصرارها على تنفيذ مقاربتها ودرجة إرغامها لإسرائيل على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم؟.