"فرقنا أصبحت تشتغل 24 ساعة على 24 ساعة، والسبب الرئيسي في غياب النظافة هو عدم تحضر البعض"، هذا ماتقوله السيدة ياكر مديرة مدرسة النظافة بالجزائر، في الوقت الذي يجمع الكل على أن العاصمة التي كانت في الماضي توصف بالبيضاء أصبح يضرب بها المثل في انتشار الأوساخ والقاذورات التي باتت بمثابة الديكور في مختلف الأحياء والشوارع والممرات، خاصة في فصل الصيف حيث يزداد الطين بلة. هذه الوضعية المزرية التي تعيشها عاصمة البلاد، جعلتنا نتطرق للموضوع لمعرفة الأسباب التي أدت إلى مثل هذا التدهور وانعدام الاهتمام بنظافة المدينة، رغم أن معظم الناس واعون بأن النظافة من الإيمان. القاذورات، أصبحت منتشرة في كل مكان فلا يخلو أي حي منها، والنظافة تعد من المظاهر النادرة عبر مختلف التجمعات السكنية، أو حتى الشوارع الكبرى، فالمتجول في العاصمة تشده تلك الروائح الكريهة في بعض الممرات، وانتشار الأوساخ هنا وهناك، في الأرصفة وأمام العمارات ومداخلها، وفي مختلف الأزقة الضيقة وبعض الأماكن الأخرى التي أصبحت تجبر المار بها على سد أنفه تجنبا للإصابة بأمراض. فهذه الأوساخ أصبحت من يوميات الفرد الجزائري الذي يبدو أنه اعتاد عليها، وأصبحت أمرا عاديا بالنسبة له، فهناك الكثيرون ممن يقومون بتنظيف بيوتهم، لكن من جهة أخرى يتسببون في انتشار الأوساخ في كل مكان دون أدنى اهتمام، عذرهم في ذلك أن هناك عمال نظافة يتولون المهمة بإزالة القاذورات، وأن مهمتهم تنتهي عند عتبة بيتهم. من المذنب؟ لعل أول ما يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن النظافة، هم عمال النظافة الذين يتهمون في كل مرة بكونهم لا يقومون بعملهم على أكمل وجه ويتركون دائما النفايات وراءهم، مثلما يرى بعض الذين حاورناهم في الموضوع، حيث يقول (عمر.ن) الذي يقطن بأحد الأحياء الشعبية في العاصمة "عمال النظافة لا يقومون بعملهم على أكمل وجه، وهم المتسببون في انتشار هذه القاذورات، فبالإضافة إلى أنهم لا يأتون في الوقت المناسب لجمع النفايات، فإنهم عندما يقومون بذلك يتركون وراءهم نصف هذه النفايات وكأنهم لم يفعلوا شيئا، وبالتالي فهي تتراكم من جديد". وللحصول على استفسارات حول نظافة العاصمة ككل، ومهمة هؤلاء العمال كانت وجهتنا مؤسسة النظافة بالعاصمة "نات كوم"، لتؤكد السيدة ياكر مديرة مدرسة النظافة، أنه خلال فصل الصيف وفي المناسبات المختلفة، يتم تدعيم الفرق الخاصة بالسهر على النظافة، كما تزداد ساعات العمل، وتكثيف عمليات جمع النفايات بتوفير كل الإمكانيات المادية والبشرية، إلا أن السبب الأول حسبها في انتشار القاذورات يعود إلى عدم تحضر بعض الناس، الذين لا يلتزمون بتوقيت إخراج النفايات ولا برمي هذه الأخيرة في المكان المحدد لها "نقوم يوميا ب5 جولات لجمع النفايات، ومن المفروض أن يكون ذلك مرة واحدة ليلا، هذا ما يجعل فرقنا تشتغل على مدار الساعة". وفي هذا الصدد يرى بعض المواطنين أن المسؤولية يتحملها الجميع، مثلما يؤكد عليه (بشير.م) 54 سنة، الذي يرى "أن البعض لا علاقة لهم بالتحضر والمدنية، ففي الحي الذي أسكن فيه، ليست هناك أي معايير للنظافة، فبعض العائلات ترمي بقاذوراتها من النوافذ، وأخرى تضعها في أي مكان، بالنسبة لي لا بد من فرض عقوبات للحد من مثل هذه التصرفات غير الحضارية". ولتسهيل المهمة على العمال تؤكد السيدة ياكر أنه لابد من الالتزام بالأوقات المحددة لرمي النفايا، وألا يرمي الناس بنفاياتهم في أي مكان، وأن توضع هذه النفايات في أكياس مغلقة ومتينة، لتضيف أن ما يحدث هو عكس ذلك وهذا ما يصعب من مهمة "نات كوم" والعمال، الذين أصبحوا من جهتهم يملون من إعادة جمع النفايات عدة مرات في اليوم، مما يؤثر على تصرفاتهم خاصة وأنهم لايتلقون مساعدة من طرف البعض من المواطنين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الاعتداء عليهم جسديا. إن العمل على إعادة وجه العاصمة البيضاء، ليس مهمة خاصة بمؤسسة "نات كوم " فقط، بل تستدعي تحضر المواطن ومساهمته الضرورية في تنظيف محيطه، فحتى وإن بلغ عدد عمال النظافة على مستوى العاصمة 6000 عون، إلا أن ذلك لم يعد كافيا بالنظر لحجم رمي النفايات. وحول ظاهرة سقوط النفايات من بعض الشاحنات الخاصة بجمعها، تقول محدثتنا "هذه الشاحنات ليست خاصة ب نات كوم بل هي تابعة للبلدية، كل شاحناتنا مدعمة بإمكانياتها الخاصة، فالشاحنات العارية مدعمة بشباك كبيرة تربط بإحكام لتفادي سقوط أي شيء منها، هذا لايعني غياب بعض النقائص أحيانا، لكن ما نطلبه من المواطن المساعدة والتبليغ إن كان هناك شيء من هذا القبيل". المواطن مع فرض العقوبات تكريس ثقافة النظافة في أوساط المجتمع أصبحت من الأولويات حتى نحافظ على محيطنا وكذلك مدننا، وفي هذا الصدد قامت مؤسسة "نات كوم"، بإجراء سبر للآراء حول ظاهرة النظافة وما يجب القيام به، بأخذ عينة 100 شخص من كل بلدية وكانت النتيجة أنه 95? من الأشخاص أجابوا بأنه لابد من فرض عقوبات على المخالفين للقواعد الخاصة بالنظافة. كما تقوم نفس المؤسسة بحملات توعوية وتحسيسية من أجل الوصول إلى مدينة نظيفة بمساهمة الجميع، وتعتبرالسيدة ياكر أنه لابد من الاستثمار في الأطفال وتربيتهم على أساليب النظافة في كل المدارس، مع إعادة إحياء شرطة البلدية، التي كانت تراقب كل التصرفات غيراللائقة للسكان، وقد كانت لها ثمار إيجابية، لترفع نداء لكل المواطنين لاحترام مواعيد رمي القاذورات والأماكن المخصصة لها: "إن لم يساعدنا المواطن في عملنا، المشكل يبقى دائما قائما".