وصف الخبير الاقتصادي مصطفى مقيدش، إجراء الحكومة منع القروض الموجهة للاستهلاك، بالاجراء الصائب والضروري الذي تفرضه المعطيات الاقتصادية الدولية والوطنية. واعتبر الدكتور مصطفى مقيدش في اتصال مع "المساء" أن ما أقدمت عليه السلطات العمومية من خلال قانون المالية التكميلي لسنة 2009، والقاضي بمنع قروض الاستهلاك، أمر تقتضيه التوازنات المالية الخارجية للبلاد، حيث أن تراجع مداخيل المحروقات في السداسي الأول للسنة الجارية بنسبة 50 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2008، قد أثر سلبا على ميزان المدفوعات، وصار هذا الأخير يعاني عجزا. وعن الجدوى الاقتصادية من منع قروض الاستهلاك أوضح محدثنا، أن الفائدة تتمثل أولا في الحفاظ على توازن ميزان المدفوعات، وتحاشي العجز الذي تمتد أثاره الى التوازنات المالية الكبرى مما يؤدي إلى الإضرار بكافة المؤشرات الرئيسية للاقتصاد الوطني. وأضاف أنه إضافة إلى ذلك، لا يمكن الاستمرار في نفس مستوى الاستيراد الموجه للإستهلاك في وقت لم تعد الميزانية العامة قادرة على الاستجابة لهذا المستوى، وذلك بسبب تراجع مداخيل البلاد بالعملة الصعبة نتيجة انخفاض أسعار المحروقات وتراجع مداخيلها. وبخصوص منع قروض الإستهلاك بالذات يجيب الدكتور مقديدش بالقول: إن العجز الذي أصاب ميزان الخدمات وبلغت نسبته 50 بالمائة بين السداسي الثاني لسنة 2008 والسداسي الأول للسنة الجارية، يحتم على السلطات المالية في البلاد منع قروض الاستهلاك لأنها قروض تعود فائدتها المالية في نهاية المطاف على الاقتصاديات الأجنبية، ولا تفيد الاقتصاد الوطني المنتج في شيء، بل تزيد في أعباء الميزانية وتؤدي الى عجزها وهو ما يؤثر على توازن ميزان المدفوعات. وأشار محدثنا في شرحه لقرار منع هذه القروض، إلى أنه لا يمكن أن تفوق مخرجات البلاد مدخلاتها، وفي الوضع الطبيعي العادي، يكون التوازن بينهما، أما في حالة الازمات والتذبذبات الاقتصادية العالمية، فإن الاحتراز واجب اقتصادي تقتضيه المصلحة العليا للبلاد، وأضاف قائلا: إن الواحد يصرف على حسب جيبه "وعلى ضوء ذلك تتراءى الأولويات، هل نواصل ف حجم الاستيراد أي الاستمرار في منح قروض الاستهلاك أم أن الأولوية هي في توجيه مثل هذه القروض لدعم الإقتصاد الوطني المنتج لاسيما في ظل الأزمة المالية التي تتخبط فيها اقتصاديات العالم؟ ويجيب الدكتور مقيدش على هذا السؤال، بالتأكيد على ضرورة التخفيف قدر المستطاع من فاتورة الاستيراد خاصة المتعلقة بالاستهلاك، والتركيز على الضروري منه وتوجيه الموارد المالية التي يتم توفيرها إثر ذلك لخدمة الاقتصاد الوطني الحقيقي بتجهيزه ودعم مؤسساته المنتجة والخالقة للثروة. ويعتقد محدثنا، أن الدولة تبنت الخيار الثاني، هو الخيار العقلاني الأمثل فمنع القروض الموجهة للسيارات سبقه إجراء مهم وهو دعم الدولة للقروض العقارية (القرض السكني) وفائدتها أكبر على المواطنين من فوائد قروض السيارات عليهم، من ناحية تحريك هياكل الاقتصاد الوطني وجل المشاكل الإجتماعية وإشاعة الاستقرار الإجتماعي من ناحية أخرى. وعن سؤالنا حول انعكاسات قرار منع قروض الاستيراد على التعاملات الخارجية للجزائر لاسيما مع الإتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للتجارة أوضح الدكتور مقيدش، أن ما يمكن أن يفهمه البعض أو يريد أن يصوره هو انتهاج الجزائر للنزعة الحمائية التي أضحت أمرا معقولا بل وممارسا لدى دول الاتحاد الأوروبي نفسها، والكثير منها يمارس هذه النزعة لأسباب قد تكون موضوعية، وليس عيبا في ذلك أن تحمي اقتصادياتها الوطنية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، والكثير من دول هذا الاتحاد تخرق أحكام وبنود اتفاق "ليزبون"، من أجل حماية اقتصادياتها من الهزات المالية أو الهيكلية، ثم الجزائر قد أعلنت أنها بصدد التفكير بمراجعة هذا الاتفاق، وأما من ناحية المنظمة العالمية للتجارة، فالجزائر لا تزال في طور المفاوضات وبالتالي فالظرف مناسب لإثارة مثل هذه المشاكل التي تعترض الطريق الى الانضمام الكامل للمنظمة. وعن آثار منع قروض الاستهلاك على المؤسسات الجزائرية أوضح الدكتور مقيدش، أن معالجة الكليات في العملية الاقتصادية يساعد على معالجة جزئياتها. والنتائج الايجابية المترتبة عن الحفاظ على توازن المدفوعات ينعكس إيجابيا في عمومه على هذه المؤسسات وأن الأمر يتطلب في البداية مرونة فقط، مادامت الدولة أوجدت آليات مالية أو ردتها في قانون المالية التكميلي لسنة 2009، على غرار آلية "الإيجار المالي" بدل القرض التوطيني الذي دأبت عليه المؤسسات الجزائرية في تجارتها الخارجية.