يشكل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي يؤكد على الحقوق الشرعية الثابتة للشعب الفلسطيني، بمثابة دافع قوي للجزائر من أجل مواصلة جهودها عبر المحافل الدولية، خاصة مجلس الأمن للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، من منطلق أن هذه الخطوة التي تفضح ممارسات الكيان الصهيوني، من شأنها أن تفتح الطريق أمام انتصارات أخرى لصالح القضية العادلة وحشد المزيد من الدعم الدولي. تشترك الخطوة التاريخية لمحكمة العدل الدولية مع موقف الجزائر المناهض لسياسات الاحتلال التوسعية التي ترتكز "على ضمّ الأراضي الفلسطينية بالقوة والغصب وبناء المستوطنات دون أي حدود أو قيود، وتكريس حكم الأمر الواقع دون حسيب أو رقيب"، والتي تستهدف الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني والقضاء على حل الدولتين، مثلما تنادي به الشرعية الدولية. وبلا شك فإن هذه الخطوة من شأنها أن تعزّز جهود الجزائر على مستوى مجلس الأمن الدولي، خاصة وأنها تشغل منصب عضو غير دائم في هذا المحفل الأممي، علما أنها لم تأل جهدا منذ استلام مهامها في الدعوة إلى عقد جلسات حول الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة، فضلا عن إعداد مشاريع قرارات لوقف إطلاق النار وإدخال مساعدات إنسانية في ظل الحصار المفروض على القطاع. وتعد الجزائر من أولى الدول التي دعت على لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لمحاكمة مسؤولي الكيان الصهيوني في شهر نوفمبر الماضي خلال افتتاحه للسنة القضائية، حيث دعا أحرار العالم والمنظمات الحقوقية الدولية إلى رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية، حيث حظيت هذه الدعوة بترحيب كبير على المستوى الدولي. ودعّمت الجزائر في هذا الإطار الطلب الرسمي الذي تقدّمت به جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر 2023، الذي حمّل سلسلة من الاتهامات المدعومة بقرائن قوية ضد الكيان الصهيوني بعدما ارتكب أعمال إبادة جماعية في قطاع غزة وسقوط الآلاف من الضحايا بسبب القصف وأعمال التهجير القسري للفلسطينيين من بيوتهم. وقد شاركت الجزائر شهر فيفري الماضي في الجلسات العلنية لمحكمة العدل الدولية المخصّصة للاستماع للمرافعات الشفوية المتعلقة بالرأي الاستشاري حول التبعات القانونية المرتبة عن سياسات وممارسات الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، بناء على تعليمات رئيس الجمهورية، من خلال فريق قانوني، حيث قدّمت في هذا الصدد عرضا كتابيا وملاحظات حول العروض الكتابية لدول أخرى، تماشيا مع مختلف الإجراءات التي أعلنت عنها المحكمة بهذا الخصوص. وقد ضمّ الفريق القانوني الجزائري بروفيسور القانون الدولي وعضو لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الأممالمتحدة، أحمد لعرابا والخبيرة في مسائل حقوق الإنسان ونائب رئيس اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، السيدة مايا ساحلي فاضل. وقد أكدت الجزائر في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية المرتبطة بطلب رأي استشاري حول التبعات القانونية المترتبة عن سياسات وممارسات الكيان الصهيوني في فلسطينالمحتلة، على أهمية الامتثال للقوانين الدولية المتعلقة بالاحتلال وفرض احترامها. كما أكد أحمد لعرابة، في عرضه أمام محكمة العدل الدولية أن "للجزائر قناعة راسخة بأن اللاعقاب ميزة الظالمين ومهمتنا هي أن نقول لهم إن هناك قانونا وإن هذا القانون يجب احترامه وإنه ليس قانون انتقام، بل قانون عدالة". وركزت الجزائر على هذه النقطة على مستوى مجلس الأمن في إطار متابعة ملف المحكمة، حيث أشارت إلى أن التدابير التحفظية التي طالبت بها محكمة العدل الدولية واجبة التنفيذ لحماية الشعب الفلسطيني من الإبادة التي يتعرض لها وأن ذلك لا يتأتى إلا من خلال وقف إطلاق النار. ورافعت الجزائر من أجل إعطاء الطابع الإلزامي لقرار محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية، مؤكدة أن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى دون رجعة، مشدّدة على ضمان المساءلة والمحاسبة، لحماية أجيال المستقبل من مثل الفظائع المرتكبة بغزة.