مع إطلالة شهر رمضان يتحول البحث عن وصفات الأطباق الى هاجس يشغل العديد من ربات البيوت والشابات العازبات، مما يدفعهن الى اقتناء الكتب التي تهتم بشؤون الطبخ لاسيما تلك التي تحتوي على أطباق تقليدية ممزوجة بعبق أيام زمان. يستقبل المواطن التبسي شهر رمضان الكريم كل عام بتحضيرات عديدة، حيث تهرع النسوة إلى شراء الأواني ويحرصن على اختيار أفضل أنواع التوابل والبهارات لتحضيرها والطهي بها في الأطباق اليومية خلال هذا الشهر الكريم. كما يعد تحضير شربة الفريك في مائدة رمضان شرطا أساسيا، إذ لا تخلو المائدة التبسية في هذا الشهر من شربة الفريك الذي يتم طحنه وتحضيره مسبقا، إضافة إلى طبق اللحم الحلو (مرقة حلوة) خلال اليوم الأول من الصيام، وذلك استجابة للاعتقاد الذي يقول أن تناول الطعام الحلو في أول رمضان يجعل كل الأيام المتبقية منه حلوة. أما بعد الإفطار، فإن النسوة يتفقن على تنظيم سهرات، حيث ينزلن كل يوم ضيفات عند واحدة منهن، بينما تفضل بعضهن الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح. كما يهرع الشباب إلى المقاهي ليقضوا سهراتهم نظرا لانعدام المرافق الترفيهية. والأهم من كل هذا أن المواطن التبسي لا زال يتبع التقاليد القديمة ويتمسك بها، حيث يتم دعوة الأقارب والجيران والأحباب إلى تناول الفطور. الملفت للانتباه أن صفة التضامن مازالت سائدة وسط سكان ولاية تبسة، من خلال تقديم يد المساعدة للفقير والصدقة خلال الشهر الفضيل، حيث يخرج أغلب السكان - كل على حده - ومعهم مائدة تحتوي على كل أنواع الأطباق المطبوخة خلال اليوم للتصدق بها على الفقراء وعابري السبيل، وهي طباع سكان تبسة التي يعبر من خلالها عن الكرم وحسن الأخلاق وتماسك أفراد المجتمع، مما يحدث أجواء الرحمة بينهم في شهر الرحمة والغفران. أما ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان الكريم فلها نكهة خاصة، حيث يتم طهي طبق خاص (يتمثل غالبا في طبق الكسكسي بالخضر واللحم)، إضافة إلى بعض العجائن، ليشكل مشهد تبادل الأطباق بين الأحباب والأقارب والجيران مظهر الترابط بين أفراد المجتمع. وفي أغلب الأحيان يعتبر المصلون ختم القرآن الكريم في هذه الليلة ضرورة حتمية، تكون متبوعة بتنظيم مسابقات دينية وفكرية بالمساجد، حيث يتم تكريم الفائزين فيها وتكريم الأطفال الذين يحفظون القرآن جيدا لتحفيزهم على حفظ كتاب الله. كما تكون ليلة السابع والعشرين من رمضان فرصة مواتية لبعض العائلات لختان أبنائها وإقامة حفلات بالمناسبة، وكذا تعد الوقت المناسب للشروع في إخراج زكاة الفطر. ويعتبر شهر رمضان بأيامه ولياليه، فرصة سانحة للتسامح بين السكان بالمنطقة، يتسابق فيها المتخاصمون للصلح، باعتبار أن رمضان الكريم شهر الرحمة والغفران والهداية، وهو ما يدل عليه قول الله سبحانه وتعالى: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان".