قدّم المسرح الجهوي لوهران، مساء أوّل أمس الأحد، العرض المسرحي "حجرة الصبر" ، ضمن فعاليات المهرجان الوطني السابع عشر للمسرح المحترف، في إطار المنافسة الرسمية. هذه المسرحية المقتبسة عن رواية الكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، جاءت برؤية جديدة أخرجها مولاي ملياني محمد مراد، الذي أضاف إليها بصمته الخاصة في السينوغرافيا والموسيقى، بالتعاون مع عادل عمامرة في التلحين، وأداء مميز من الممثلين أمينة بلحسين، ومحمد الأمين رارة، وسفيان عاهد. تدور أحداث "حجرة الصبر" في أجواء مأساوية؛ حيث تُستعرض قصة امرأة أفغانية تعيش في وسط يعاني من ويلات الإرهاب، ويطغى فيه الدم والبارود على أيّ مظاهر للحياة أو الحب. هذه السيدة التي تمثّل رمزاً للأمل والصبر، تنقل لنا حكاياتها عبر سردٍ شبيه بألف ليلة وليلة. لكن هذه الحكايات تتّسم بالمرارة، وتتركنا في حالة من الحيرة والتساؤل؛ فكلّ نهاية سعيدة في هذه الحكاية يُدرك المشاهد أنّه لا يمكن أن تُبنى إلاّ على أنقاضٍ من المعاناة والموت. إنّها صورة حيّة للواقع الأفغاني وما يعانيه من نزاعات وحروب مستمرة، لكنّها أيضا، مرآة للمعاناة الجزائرية خلال فترة العشرية السوداء؛ حيث كانت النساء والشعب في مواجهة مع التطرّف والمعتقدات الهدامة. المسرحية تقدّم رؤى عميقة حول التدمير الذي يُلحقه الإرهاب بالعقول والأرواح. ورغم أنّ القصة تروي مأساة فردية، إلاّ أن المعاناة التي يعكسها العرض تُمثّل في الواقع، معاناة جماعية لشعب بأسره؛ حيث لا تقتصر الآلام على ضحايا الإرهاب فقط، بل تتّسع لتشمل جميع فئات المجتمع، وتحديدا النساء اللاتي يعانين من التهميش والاضطهاد في ظلّ الظروف الصعبة. وقد جسّدت اللوحات الفنية التي عُرضت على خشبة المسرح، هذا الصراع بشكل مؤثّر، خاصة من خلال الأداء التمثيلي المتقن، الذي أضفى على العرض عمقاً عاطفيا. وأتاح للمشاهدين الدخول في عالم مليء بالمعاناة والألم. العمل، أيضا، لا يقتصر على تصوير مأساة القتل والتدمير، بل يتجاوز ذلك إلى الإضاءة على الأمل، الذي تحاول البطلة أن تحافظ عليه في قلب جحيم الحرب رغم أنّها تعرف أن هذا الأمل يتغذى من الألم والموت. هذه الحكاية المترابطة بين الخيال والواقع تتنقّل بين اللحظات الحزينة والمشاهد المؤلمة، إلى لحظات من الحلم والحنين، إلى حياة كانت في يوم من الأيام مليئة بالسلام. واختار المخرج أن يعتمد على الألوان الداكنة، والظلال القاتمة، لتعكس أجواء القلق والاضطراب التي عاشتها البطلة. كما إنّ الموسيقى التي حملت توقيع عادل عمامرة، أضافت بُعداً آخر من التوتر العاطفي؛ حيث كانت تعبيراً عن الألم الذي يخترق كلّ لحظة في حياة الشخصيات. لقد أجاد المخرج في استخدام التقنيات المسرحية لإظهار الاضطراب النفسي الذي تعيشه البطلة، والذي تجسَّد، بشكل كبير، في الحوار الداخلي، والتواصل الحركي بين الشخصيات، التي لم تكن مجرد تمثيل للأحداث، بل كانت تبرز الصراع الداخلي الذي يعصف بكلّ فرد، في مجتمع محاصَر بالحروب والتطرّف.