❊ سباق مع الزمن لإحياء تقاليد العيد تتحول قسنطينة، كل سنة، مع اقتراب عيد الفطر، إلى عاصمة للحلويات التقليدية، والتي تعود بقوة لتتربع على عرش موائد العيد، بعد عقود من التنافس مع الحلويات العصرية. إذ تشهد الأصناف التراثية التقليدية مثل "مقرود الكوشة"، "البقلاوة"، "القطايف"، "طمينة الجوز"، و"طمينة اللوز" و"الغريبية"...، عودةً قويةً بفضل جهود ربات البيوت والمختصين الذين أعادوا إحياء هذه الحلويات التقليدية، بوصفاتها الأصلية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي و"اليوتيوب"، مما جعلها تنتشر خارج أسوار المدينة وتصبح محل طلبٍ من جميع أنحاء الجزائر. قبل أيام من حلول عيد الفطر، تدخل ربات البيوت في قسنطينة، مرحلة استنفار لتحضير الحلويات التي ستزين "صينية العيد"، وهي عادة لا غنى عنه في استقبال الضيوف خلال أيام العيد. وتصبح الأسواق والمحلات التجارية، وجهة يومية للنساء اللواتي يتسابقن لشراء مستلزمات الحلويات، من الفرينة والزبدة إلى المكسرات مثل اللوز والجوز والفستق، بالإضافة إلى ماء الورد والزهر المقطر الذي يعطي نكهة مميزة للحلويات التقليدية. ورغم الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية منذ سنوات، خاصة المكسرات التي تعد عنصراً رئيسياً في صناعة الحلويات، إلا أن العائلات القسنطينية ترفض التخلي عن هذه التقاليد، فالعيد، كما تقول إحدى النساء أثناء تسوقها في مركز الرتاج مول التجاري بعلي منجلي، "لا يأتي إلا مرة واحدة في السنة، ولا بد من استقباله بأجود الحلويات" الحلويات التقليدية تراث يعود إلى الواجهة عادت الحلويات التقليدية بقوة خلال السنوات الاخيرة لتكون الاختيار الأول للعائلات القسنطينية، رغم التحديات الاقتصادية وارتفاع أسعار المكونات الأساسية مثل اللوز والجوز، التي تُعتبر عنصراً أساسياً في صناعة هذه الحلويات. ف"البقلاوة"، "طمينة اللوز"، و"الغريبية" ليست مجرد أطباق حلوة، بل هي جزءٌ من الهوية الثقافية للمدينة، التي تحضر بعناية فائقة لتزين "صينية العيد" التي تُقدم للضيوف في أيام العيد، حيث لا يمكن تصور عيدٍ دون رائحة "المقرود" و"البقلاوة" تملأ المنزل، تقول السيدة حنيفة، إحدى ربات البيوت وهي تُعدّ صينية الحلويات، إذ أن هذه الأصناف، التي كانت على وشك الاختفاء أمام زحف الحلويات العصرية، عادت لتُثبت أنها الأقوى، بفضل تمسك العائلات بتقاليدها وحنينها إلى المذاقات التي الفتاه ونشأت عليها. حلويات تقليدية تتصدر صينية العيد رغم المنافسة وقد شهدت قسنطينة، خلال السنوات الاخيرة، ظهور حلويات عصرية متنوعة، كحلوى "البريستيج"، وبعض التزيينات الدخيلة على البقلاوة، بوضع عديد الأنواع من المكسرات على سطحها، إلا أن هذه الأخيرة لم تتمكن من إزاحة الحلويات التقليدية التي لا تزال تحتل مكانة مركزية في صينية العيد. فالمقرود على أصوله والبقلاوة بحشوة الجوز واللوز المزينة او كما يقال في قسنطينة "المرشوقة بحبة لوز مسموط" ، وكذا طمينة اللوز بزبدة البقر والورد المقطر، و"غريبية الفرشيطة" أو"غريبية اللبلابي"، وغيرها من الأصناف التقليدية، تظل هي "سيدة الصينية القسنطينية" التي ترمز إلى التراث والهوية المحلية، والتي لا ترضى القسنطينيات المساس بها او تحريفها. وتؤكد العديد من النساء أن تحضير الحلويات في المنزل ليس مجرد عادة، بل هو تقليد يعكس التمسك بالجذور ويروي حكاية الأجداد. فالعملية برمتها، من شراء المكونات إلى تحضير الحلويات، تعتبر فرصة لتجسيد روح العيد وتعزيز الروابط الأسرية، وخلق صورة متكاملة عن بهجة العيد في أذهان الأجيال المتعاقبة. تحديات اقتصادية وبدائل مبتكرة في مقابل هذا لا تزال التحديات الاقتصادية، تلقي بظلالها على هذه التقاليد، فأسعار المكسرات، التي تعد من أهم مكونات الحلويات التقليدية، تشكل عبئاً على ميزانية العديد من العائلات. ورغم ذلك، ترفض الأسر التخلي عن هذه التقاليد، وتلجأ إلى ادخار المكسرات بمدة قبل حلول رمضان او تقليل الكميات، وتذهب حتى للاستغناء عن صنع الحلوى لكن لا تتجرأ على إدخال أي تغيير في الوصفة الأصلية، حيث تجمع النساء القسنطينيات، على عدم تحضير البقلاوة والتي يعتبر الجوز واللوز أهم مكوناتها بدل من تغيير الوصفة وتعويض المكونات السابقة بالفول السوداني "الكاكاو". من جهة أخرى، تفضل بعض ربات البيوت، خاصة العاملات منهن، شراء الحلويات الجاهزة لتجنب مشقة التحضير والتكلفة الباهظة. وقد أدى هذا الاتجاه إلى ازدهار محلات بيع الحلويات في قسنطينة، والتي تتنافس في تقديم أصناف تقليدية وعصرية بأسعار متفاوتة. مواقع التواصل الاجتماعي منصة لترويج الحلويات في ظل التطور التكنولوجي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة رئيسية لترويج الحلويات التقليدية. حيث تعرض العديد من الصفحات المتخصصة وصفات تحضير الحلويات، بالإضافة إلى عروض خاصة للنساء العاملات. كما انتشرت صفحات تعرض حلويات تقليدية جاهزة للبيع، مما وفر خياراً سهلاً للعائلات التي تفضل الشراء بدلاً من التحضير. وتشهد هذه الصفحات إقبالاً كبيراً، خاصة في المناسبات الدينية مثل عيد الفطر، حيث تتحول إلى سوق افتراضي تتنافس فيه النساء لعرض مهاراتهن في صناعة الحلويات. وقد ساهم هذا الزخم في تعزيز حضور الحلويات التقليدية، ليس فقط في قسنطينة، بل في مختلف أنحاء الجزائر. وقد زاد الطلب على الحلويات التقليدية بشكلٍ كبيرٍ في الآونة الأخيرة، حيث أكد لنا صاحب محل الحلويات التقليدية بعلي منجلي، الذي يعرض منتجاته أيضا عبر الإنترنت، أن الناس تبحث اليوم عن المذاق الأصيلي، وهذا ما جعل الحلويات القسنطينية تتصدر قائمة حلويات العيد لارتباطها بالتراث والأصالة أكثر من كونها مجرد حلويات، بل هي تعبيرٌ عن التمسك بالتراث، وإصرارٌ على إحياء الهوية الثقافية في مواجهة التحديات. فبفضل جهود ربات البيوت والمختصين، عادت هذه الحلويات لتتربع على عرش صينية العيد، لتُذكرنا بأن التراث ليس مجرد ماضٍ، بل هو حاضرٌ يُشكّل هويتنا ويُضفي طابعاً خاصاً على مناسباتنا. وهكذا، تتحول قسنطينة كل عام إلى لوحة فنية تزينها ألوان الحلويات التقليدية، لتذكرنا بأن العيد ليس فقط فرصة للاحتفال، بل أيضاً فرصة لإحياء التقاليد التي تجعل من هذه المدينة مكاناً فريداً بتراثه وإرثه الثقافي.