يبقى الأمير عبد القادر والباي حاج أحمد زعيمين من نفس الطينة المدافعة عن الوحدة الترابية للجزائر والرافضة لمناصب السلطة رغم اختلاف رؤيتهما في طريقة مقاومة المحتل، وهذا حسبما أكده بالجزائر العاصمة أمس مؤرخون وباحثون في التاريخ الوطني. وشدد كل من الباحثين الصالح بلقبي ومحمد بن رضوان في ندوة تاريخية نظمتها مؤسسة الأمير عبد القادر واحتضنها منتدى يومية "المجاهد" على أن الأمير عبد القادر وأحمد باي ينتميان إلى نفس النوع من الرجال على الرغم مما احتفظ به التاريخ حول عدم توصلهما إلى تنسيق جهودهما المضنية في مقاومة قوات الاحتلال الفرنسي. ويقول الباحث بلقبي في هذا الخصوص أن كلا الزعيمين جعلا من وحدة التراب الجزائري الأولوية في كفاحهما، رافضين في ذلك العديد من المقترحات المغرية التي قدمتها فرنسا ممنية إياهما بمناصب السلطة. وذكر المؤرخ فيما يتعلق بالأمير عبد القادر بالعديد من مواقفه الثابتة في دحر تغلغل المد الاستيطاني الفرنسي منذ بوادره الأولى، حيث اتجهت إليه الأنظار لرفع لواء المقاومة وهي المهمة التي قادها لسنوات طويلة ليصبح علما من أعلام الكفاح. كما أبدى الباي أحمد نفس الموقف وهو الذي شارك في معركة سطاوالي "بالجزائر العاصمة" لدى نزول القوات الفرنسية بميناء سيدي فرج وتابع المقاومة حتى بعد سقوط معقل الجزائر العاصمة رافضا المقترح الفرنسي القاضي بتمكينه من الاحتفاظ بأيالة قسنطينة التي كانت تمتد من منطقة سطيف حاليا إلى الحدود التونسية شرقا وشمال شرق الصحراء جنوبا شريطة عدم الدفاع عن العاصمة. أما فيما يتعلق بالخلاف بين الرجلين والذي يعد في نظر الكثيرين إحدى الأسباب في انتشار المد الفرنسي نتيجة تفرق وانقسام الجهود التي كانت تبذل على الصعيد الشرقي والغربي فقد أرجعها السيد بن رضوان في المقام الأول إلى اختلاف رؤيتهما إلى الوضع وحول تحديد الواجبات التاريخية. ففيما بقي باي قسنطينة متمسكا بولائه إلى الصدر الأعظم رغم عدم إمداده له بالمؤونة الحربية عقب نفاد إمكانياته العسكرية كان الأمير عبد القادر وأتباعه يرون أنه وبعد تخلي الإمبراطورية العثمانية عن مهمة الدفاع عن الديار الجزائرية نتيجة انهماكها في مشاكل أخرى أضحى من حق الجزائريين رفع لواء المقاومة بعيدا عن السلطة العثمانية -يوضح المتحدث-. ومما زاد من حدة تلك الحساسيات والانقسامات -حسب قراءة الباحث- غياب سلطة جامعة وموحدة في تلك الفترة التاريخية، يضاف لها شساعة القطر الجزائري. وتعد هذه الحقائق والحوادث التاريخية -حسب المؤرخ- دروسا يتوجب استيعابها، مذكرا بحوادث مشابهة مثل انقسام جهود مقاومة كل من البطلين ماسينيسا وسيفاكس سنة 204 قبل الميلاد بسبب وجود النعرات بين الطرفين مما كان نتيجته استقرار الرومان في الجزائر لسبعة قرون. واعتبر الباحث أن مسألة إعادة النظر في طرق تدريس التاريخ الوطني وتلقينها للنشء الصاعد أصبحت ضرورة قصوى. وفي رده على الأصوات التي تدعي عدم امتلاك الجزائر لتاريخ، ذكر ذات المختص بأن جميع الحركات التحررية التي عرفها المغرب العربي انبثقت من الجزائر التي كانت عبر التاريخ مهدا لجميع المقاومات في المنطقة.