استقطب اليوم التحسيسي التوعوي، الذي نظمته الجمعية الوطنية لاضطراب التوحد، مؤخرا، بالتنسيق مع بلدية الجزائر الوسطى، بساحة البريد المركزي، عددا كبيرا من الاولياء الذين أبدوا حرصهم على معرفة تفاصيل هذه الحالة المرضية، من أجل معرفة سبل التعامل مع الطفل المصاب، والانتباه إلى تصرفاته وطرق التكفل والعناية به في حالة الاصابة، حيث شارك في التظاهرة مختصون في مساعدة هذه الفئة على الاندماج في المجتمع، وفي تصحيح بعض السلوكيات التي يجب الانتباه إليها والتكفل بها في سن مبكرة، لضمان فعالية العلاج، حسبما اشار إليه المشاركون في هذا الحدث. وقد كان اليوم التحسيسي فرصة للتعريف وتسليط الضوء على اعراض التوحد، التي يمكن للكثيرين أن يفسروها بتأخر في النمو، أو فرط الحركة، لاسيما للمتزوجين حديثا، والذين يعيشون تجربة تربية الطفل لأول مرة، والذين ليس لديهم مرجع آخر لمقارنة تصرفات طفلهم، مع طفل ثان، حيث تبرز تلك الأعراض، حسب المختصين، على مستوى التفاعل الاجتماعي، وكذا اللغة والتواصل، السلوكيات النمطية الخاصة بكل طفل مصاب، و المشاكل الحسية. ولتحليل كل تلك السلوكيات وشرح تفاصيلها للأولياء ارتأت الجمعية الوطنية لاضطراب التوحد، بإشراف ليلى والي رئيستها، اشراك المختصين في الارطوفونيا، والخبراء النفسانيين، والمختصين في التكامل الحسي والمهارات الحركية، لما لهم من دور فعال في التكفل بالطفل وترقية سلوكياته لاندماجه في المجتمع. دعوة للالتفات إلى الشباب والبالغين من مرضى التوحد في هذا الصدد أوضح نايت بوذا فيصل، الامين العام للجمعية الوطنية للشباب والبالغين للتوحد، أن تخصيص شهر للتوعية والتحسيس بمرض التوحد، هو فرصة لتسليط الضوء على هذه الحالة المرضية، التي يتم الاستهانة بها كثيرا من طرف بعض الاولياء، ولا يتم التكفل بالمصابين في الوقت المناسب، مشيرا إلى أن معرفة اعراض الاصابة هي جزء من العلاج، موضحا بأنه كلما تم الكشف عن الاصابة في سن مبكرة للطفل، (اي من الاحسن بعد 18 شهرا من ولادته على الاقل)، كلما كانت فرصة تصحيح سلوكياته اكثر نجاحا. وأكد الامين العام أن هدف المنظمة من خلال عملها الميداني، ليس تخصيص بيئة خاصة او عالم خاص بهؤلاء المصابين، وإنما النجاح في ادماجه في الاوساط "العادية"، اي جعلهم جزءا من العالم والبيئة والمجتمع الذي نعيش داخله، موضحا أن هؤلاء الاطفال او حتى المراهقين والشباب المصابين بالتوحد، هم في حاجة لانخراط تام في المحيط العادي، إذ أن ذلك يساعدهم اكثر، كإدراجهم داخل المدارس والاقسام العادية، وداخل مراكز التكوين وغير ذلك، ومساعدتهم من جهة أخرى بمرافقة مختصين يحسنون التواصل معهم وفق خبرتهم، كمختص في الارطوفونيا، والنفس. وشدد المتحدث على ضرورة التفرقة بين قلة تركيز الطفل والتوحد، حيث قال:"ان كثيرا من المعلومات الخاطئة التي تتداول بين بعض الاولياء والمجتمع، أن الطفل قد يصاب بالتوحد بعد سنوات من ولادته، وهذا أمر خاطئ"، مردفا بالقول: " إن التوحد، هو اصابة تعود الى تشوه خلقي منذ الولادة، أي الطفل المتوحد يولد متوحدا، ولا يمكن أن يصاب بالتوحد اذا ولد طبيعيا، وتلك الاعراض التي قد نلتمسها لدى بعض الأطفال، مثلا بسبب تعلقهم بالهواتف النقالة دائما او أجهزة الكمبيوتر، أو عزلتهم عن محيطهم والاطفال من سنهم او غيرها من السلوكيات غير السوية، قد تؤدي الى امراض نفسية وسلوكية أخرى وليس التوحد في مفهومه العلمي"، مؤكدا أنه يمكن أن يكون تفسير انطواء، وقلة تركيزه، وفرط الحركة، لكن كلها من الاعراض "المؤقتة" على حسب تفسيره، ويمكن علاجها مباشرة بتحديد السبب وراء ذلك وعزل الطفل عن تلك المسببات، وانما المتوحد يولد متوحد. وسلط المتحدث الضوء، على الشباب والبالغين المصابين بالتوحد، حيث قال: "للأسف لا تزال فئة مهمة من المصابين بالتوحد تعاني التهميش أكثر من الاطفال، وهم الشباب والبالغين، الذين لم يعد يولى لهم اهتمام بعد تعديهم مرحلة الطفولة، رغم حاجتهم الماسة لذلك"، موضحا أن الجمعية تهتم خصيصا بهذه الفئة المهمشة من خلال تخصيص لها فضاءات خاصة بها لتأهيلها وصقل مهاراتها، وذلك من خلال بعض الورشات المختلفة كالطبخ الرسم، واكتساب حرفة معينة، كل ذلك لضمان حملها على الاقل صفات الاستقلالية الذاتية، ولما لا اعداد الفرد وتأهيله للعمل من خلال مساعدته في كسب مهارات في تخصصات معينة وفق تفضيلاته وما يحبه من اعمال تتماشى وميزات شخصيته الخاصة. نفسيا.. التوحد ليس مرضا بل طريقة مختلفة للنظر إلى العالم من جهته قال سلطاني رابح مزيخ، مختص نفساني اكلينيكي، أن التوحد ليس مرضا بل فقط طريقة مختلفة للنظر إلى لعالم، وهي القاعدة التي يركز عليها الخبراء حول العالم للتكفل بهذه الفئة، التي يمكن ان يكون لديها قدرات خارقة مثلها مثل الشخص السوي، واضاف ان التوحد، هو اضطراب نمائي عصبي يؤثر في التواصل والتفاعل الاجتماعي، وسلوك المتوحد يبرز منذ الطفولة، ويستمر مدى الحياة لكن بدرجات متفاوتة، ويمكن تصحيح من خلال المرافقة الصحيحة، البعض من تلك السلوكيات. وقال انه لا يوجد سبب معين واحد للتوحد، لكنه مرتبط بعوامل جينية وراثية وكذا بيئية، ولا علاقة له ابدا بنوعية التربية او عوامل نفسية، وانما حالة يولد الطفل مصاب بها وتبرز مع نمو الطفل، تكون اولى الاعراض، صعوبة التواصل البصري، والتفاعل الاجتماعي، تأخر في الكلام، او استخدام انماط لغوية غير نمطية للشخص العادي، اهتمام شديد بمواضيع محددة او تكرار حركات معينة، مشاكل في المعالجة الحسية اي حساسية زائدة او استجابة ضعيفة للمؤثرات الحسية مثل الاصوات او اللمس، وصعوبة في نظرية العقل، اي فهم نوايا وافكار وتحليل مشاعر الاخرين. واكد المتحدث أن التشخيص المبكر والتدخل للتكفل المبكر، يزيد من فرص تحسين التواصل والسلوك، مضيفا أن اعتماد لغة تواصل مع المصابين بالغ الاهمية لمساعدتهم في تنمية قدراهم التي قد يعانون من مشكل نموها بسبب اصابتهم، وأكد ان هناك طرق بديلة للغة المنطوقة للتواصل معهم، لمساعدتهم في التعبير عن احتياجاتهم ومشاعرهم وتقلل من السلوكيات الناتجة عن الاحباط وعدم فهمهم وفهم حاجياتهم. الحوار السلس بين الخبير والأولياء كفيل بفهم التوحد اما والي ليلى، رئيسة الجمعية الوطنية لاضطراب التوحد بالجزائر، فبدورها أكدت ان تبسيط مفهوم التوحد أمر ضروري، على الخبراء تبني لغة سلسة في مخاطبة الجمهور من اجل تحسيسيه بشكل فعال، وتوضيح له ماهية حقيقة هذه الاصابة، حيث يساعدهم ذلك على فهم مدى جدية الامر، من اجل مساعدتهم في حسن التكفل بالطفل وضمان على الاقل استقلالية شخصية لأداء مهامه اليومية، موضحة أن الشخص المتوحد المستقل هو نعمة لشخصه، عائلته ومحيطه، والعكس اذا تم التهاون وعدم تأهيل سلوكياته فسيكون عالة على نفسه محيطه ومجتمعه عامة. وقالت المتحدثة ان الادماج يكون من الروضة الى غاية سن الرشد، وليس فقط التكفل بالطفل في مرحلة معينة من سنه ثم القائه في المجتمع دون مساعدة او مرافقة، وهذا أمر خاطئ، قد يسيء إلى كل الجهود التي سبقت في سبيل ترقية تلك السلوكيات. ودعت في حديثها ل"المساء" الى أهمية مراقبة الأم لسلوكيات طفلها بصفة دقيقة، بمراقبة تحركاته وسرعة استجابته وتصرفاته، وذلك من اجل تحديد "الخطر" اذا كان موجودا، وسرعة طلب المساعدة للتكفل به في سن مبكرة، وضمان تأهيل احسن واكثر فعالية. التواصل اللغوي غير النمطي.. بديل لحوار الطفل من جهة أخرى قالت لينا فارس، خبيرة في اللغويات العصبية السريرية، ومختصة في الارطوفونيا، إن المختص له دور في مساعدة المتوحد على التواصل، من خلال عديد التقنيات والبرامج التي تعمل عليها عيادة "حمزة" للتأهيل والتكفل الارطوفوني والنفسي، من اجل تحسين لغة المصاب والتواصل مع المجتمع، وتتم من خلال برامج نظام التواصل بالتبادل بالصور، الذي يعتمد على الصور ضمن سياق اجتماعي، ما يساهم في تنمية قدراته على فهم عملية الترميز، واكتساب المفاهيم بناء على ربط الصور وما تشير اليه في الواقع، وهو يزيد من فعالية التواصل مع الطفل المتوحد. الى جانب تقنية ثانية تضيف المتحدثة، وهي لوحة التواصل البديلة، تساعد على دعم الفهم والتعبير اثناء النشاط او في سياق محدد بالنسبة للشخص الذي يعاني من صعوبات في التواصل، وهي صور توضيحية موجودة في سبورة لإظهار نموذج لغوي بديل للطفل اي محور اخر عند التحدث اليهم، كما انه يتم استخدام آليات اخرى تقول لينا، كأداة "البود" دائما بالاعتماد على الصور، ونموذج دنفر للتدخل المبكر وهو برنامج شامل برغماتي، وهو موجه للتواصل مع الاصغر سنا، 12 الى 48 شهرا، وهو عبارة عن لعب لبناء علاقة ايجابية بين الطفل والخبير، يشجع الطفل على تحسين مهاراته اللغوية والاجتماعية والمعرفية. التكامل الحسي والمهارات الحركية.. أوضحت علي سوشى يسرى، مختصة في التكامل الحسي والمهارات الحركية، بدورها أن الطفل الذي يعاني من طيف التوحد، هو شخص يعاني أساسا من مشاكل في المعالجة الحسية، وقد يكون جد حساس او لديه استجابة ضعيفة للمؤثرات الحسية بمختلف انواعها، ذوق شم، ملمس، سمع بصر وغير ذلك، التي تكون واردة من البيئة المحيطة لتقوم الاجهزة الحسية بتحويلها الى رسائل كهربائية تنتقل الى الجهاز العصبي المركزي ليقوم الدماغ بتنظيمها وتفسيرها وترجمتها في صور استجابة حسية، وما يعاني منه الاطفال المصابون بالتوحد، تقول الخبيرة هو "عدم قدرتهم على معالجة تلك المعلومات، وبالتالي قد تكون لهم استجابة غير فعالة او بالعكس مبالغ فيها، وهنا يأتي دور المختص، من اجل محاولة تفسير تلك المعلومات للطفل، حتى يتقبلها او بالعكس عند المبالغة من التخفيف من ادائها، وتكون البرامج من خلال وسائل حسية وتجهيزات خاصة في غرف حسية من خلال استعمال مختلف الاجهزة، كالأضواء الضوضاء، الاقمشة والخامات، الوسائد الحسية، اجهزة الاهتزاز وغيرها من التقنيات التي تعمل على تعريف انواعها والفرق بين كل واحدة للطفل المتوحد".