يتذمر بعض الآباء من الطفل الأعسر إلى درجة أنهم قد يشكون أمرهم إلى الطبيب، لأنه يستخدم يده اليسرى بدل اليمنى..ليس هذا فحسب بل تسود عدة معتقدات بخصوصه في المحيط الإجتماعي ككل، بعضها تنسب له صفة الغباء والشذوذ وبعضها الآخر تتنبأ له بالذكاء والقدرات الإبداعية الفائقة.. فماذا يقول المختصون في علم النفس اللغوي والمعرفي بخصوصه يا ترى؟ تتميز فئة ضئيلة من سكان العالم عن باقي الأفراد بإستخدامها للناحية اليسرى من الجسم بدلا من الناحية اليمنى، ذلك لأنهم يملكون قدرة جسدية أقوى من القسم الأيسر، لكن بسبب هذا الإختلاف يصنفهم البعض كحالات إستثنائية، وهو الأمر الذي يجعلهم بمثابة أفراد غير عاديين في نظر بعض الأولياء والأفراد المحيطين عامة.. ولعل أن ثمن هذه النظرة هو العيش تحت ضغط كبير يزرع فيهم الإحساس بالنقص. ونتيجة لذلك يشكو البعض من الأشخاص الذين يعتمدون على الناحية اليسرى من الجسم من أنهم عانوا كثيرا من الضغط سواء في الأسرة أوحتى في المحيط المدرسي، إذ كانوا يتلقون ملاحظات مفادها أن إستعمالهم للناحية اليسرى خطأ.. ولهذا السبب تم إجبارهم على تغيير الإتجاه. وفي هذا الشأن، تروي السيدة "وردة.ش"، أستاذة جامعية: "يتم التعامل مع الطفل الأعسر في الكثير من الأحيان على أنه مخطئ إنطلاقا من الإعتبارات الدينية التي تحث على التيمن، فيجبر على الأكل باليمنى وحمل الأشياء بها، وهو الأمر الذي يمثل مهمة شاقة بالنسبة له.. وأنا شخصيا حدث معي ذلك في الصغر، حيث كان أوليائي يجبرونني على إستعمال اليمنى من خلال ربط يدي اليسرى." أما الطالبة نادية بوجلطي، طالبة بالسنة الثالثة تخصص علم النفس العيادي بجامعة الجزائر، فتقول: "كانت أمي تربط اليد اليسرى لشقيقي لتجبره على إستخدام اليمنى لإعتبارات دينية..ومع ذلك ظل أخي مصرا على الأكل والعمل باليد اليسرى." في حين يعتقد زميلها أن الطفل الأعسر يترجم المعاناة من الإهمال والحرمان العاطفي في الوسط الأسري. ومن ضمن جملة المعتقدات المتوارثة لدى البعض أن الطفل الأعسر "غبي"، وهو الإعتقاد الذي يحمله السيد "مصطفى.ك"، موظف في مؤسسة عمومية، والذي يذكر: "ما أعرفه عن الطفل الأعسر هو أنه أقل درجة من حيث القدرات والذكاء مقارنة بغيره.".. وعن دوافع هذا الحكم؟ (يضحك) ثم يقول: "أتذكر زميلا لي كان يجلس بالقرب مني في الإبتدائية..لقد كان أحمقا وهو أعسر، مما شكل لدي إنطباعا سلبيا بخصوص هذه الفئة". وفي المقابل، يتبنى البعض الآخر نظرة إيجابية تجاه هذه الفئة. وفي هذا الصدد تشير الطالبة "نادية بوجلطي" إلى أن ما تعرفه عن الطفل الأعسر هو أنه يتميز بالذكاء والبراعة في العديد من الميادين كالفن والعلوم، إنطلاقا من الحقائق التي تبين أن الكثير من المفكرين والعلماء كانوا يستخدمون الجهة اليسرى من الجسم على غرار العالم أنشتاين. نفس الإعتقاد تعتنقه صديقتها "هاجر إغلدان" (السنة الثالثة تخصص علم النفس العيادي)، تقول: "معلوماتي تشير إلى أن الأشخاص الذين يستخدمون الناحية اليسرى من الجسم متميزون عن غيرهم في عدة مجالات، لاسيما في المجال الرياضي". تميز الرجل الأيسر في الرياضة يؤكده أيضا الصحفي "أمين.ب" الذي يعمل في القسم الرياضي: "فعلا يقال أن الرجل الأعسر أكثر إبداعا من غيره في المجال الرياضي، خاصة فيما يتعلق بكرة القدم، لأن طريقة إستخدامه للناحية اليسرى تربك المنافسين". اتركوا الطفل الأعسر على راحته ولمعرفة حقيقة النظرة الطبية للطفل الأعسر سألت "المساء" الأستاذ الجامعي حسين نواني، مختص في علم النفس اللغوي والمعرفي، فأجاب "أن بعض الأطفال لديهم تركيب دماغي مختلف ينتج عنه إضطرارهم لإستخدام الناحية اليسرى من الجسم بدلا من اليمنى التي يستخدمها السواد الأعظم، وبالتالي تكون الجهة اليسرى هي المهيمنة لدى هذه الفئة. وبذلك يعني أن الطفل الأيسر حالة طبيعية لا تستدعي القلق". وبحسب المختص النفساني، "فإن الطفل الأعسر يكون عادة عرضة لضغط كبير في المحيط العائلي، الذي يلجأ إليه أحيانا إلى العقاب كربط يده اليسرى، وهو خطأ كبير قد تكون له إنعكاسات جد سلبية على الطفل، لكونه غير مهيأ لإستخدام الناحية اليمنى من الجسم". ويضيف الأستاذ حسين نواني إن الناحية اليمنى عند الطفل الأعسر غير مهيمنة ولذلك لا تسمح له بالحصول على المهارات الكافية، بل إن إرغامه على إستخدام اليمنى يهدد بفقدانه لمهارات اليد اليسرى، ويتجلى ذلك من خلال الإصابة بالإضطرابات على مستوى الخط والكتابة على سبيل المثال. إن الطفل الأيسر لديه قدرات، إستعدادات وهيمنة من الناحية اليسرى، وعلى هذا الأساس فإن إكراهه على إستخدام عضو غير مهيأ وظيفيا قد يؤثر على مستقبله الدراسي سلبا.. والحل هو تركه على راحته ليكون كل شيء طبيعيا. وفيما يخص المعتقدات التي تشير إلى إرتفاع إحتمالات الإبداع عند هذه الفئة والأفكار التي تقول على العكس من ذلك بأن درجات الذكاء تقل عند هذه الفئة، يوضح الأستاذ نواني أن هذه المعتقدات غير معترف بها علميا، بإعتبار أن الطفل الأعسر ليس سوى شخص عادي فقد يكون ذكيا كما قد يكون أقل ذكاء مثل غيره.