بعد أن استحدث قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد، إجراء الوساطة كبديل لفض النزاعات المطروحة أمام القضاء والتي تناولتها المواد من 994 إلى 1005 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دعا بعض المختصين في القانون مؤخرا إلى إدراج هذه الوساطة ضمن قضايا النزاعات الأسرية لأن القانون الجديد استثنى المنازعات العمالية والمنازعات المتعلقة بشؤون الأسرة من الوساطة لأنها تنطوي على إجراء الصلح...ولكن هل حقيقة يمكن أن تكون الوساطة الحل الأمثل لجعل المنازعات العائلية تحل بعيدا عن أروقة المحاكم؟ وهل أثبتت الوساطة نجاحها كحل بديل في باقي المنازعات التي طبقت بها إلى حد الآن؟ انتقلت "المساء" إلى بهو محكمة عبان رمضان حيث التقت مجموعة من الأساتذة والمحامين والمختصين في القانون، وحول إمكانية تبني الوساطة كإجراء بديل عن الصلح في حل المنازعات الأسرية، رد علينا (فتحي. ق) أستاذ في القانون الإداري بمعهد ابن عكنون قائلا " في الحقيقة المشرع الجزائري استبعد الوساطة كإجراء لحل المنازعات الأسرية في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد لسبب بسيط، وهو وجود الصلح الذي يشبه إلى حد ما الوساطة من حيث اعتماده كأسلوب للتخفيف عن المحاكم من الكم الهائل للقضايا المعروضة ومحاولة حل النزاعات بصورة ودية، إلا أني أرى شخصيا أن اعتماد الوساطة كحل للمنازعات الأسرية من دون فائدة، لأن الصلح في حد ذاته لا يسهم إلا بنسبة قليلة في حل النزاعات المعروضة، ومن جهة أخرى فقد أثبتت الوساطة فشلها كإجراء لفك المنازعات في باقي الفروع التي طبقت فيها، وأكاد أجزم لكم أن نسبة تقبل الوساطة كحل ودي في باقي المنازعات لا يتجاوز 1 بالمائة لسبب واحد، هو أن المواطن لا يثق بالوسيط كما يثق بالمحامي ومن المفروض أن تقترح الوساطة من القاضي على الأطراف المتنازعة التي لم تعين محاميا، ولكن اللجوء إلى الوسيط بعد تعيين محام جعل الوسيط غير مرغوب فيه بين المتخاصمين، ومن وجهة نظري، فكرة الوساطة في حد ذاتها لا تزال فتية وبحاجة ماسة إلى فتح باب النقاش مع وزارة العدل لجعلها أكثر مرونة كحل في باقي المنازعات". الإمام بدل الصلح والوساطة لحل المنازعات الأسرية اعتبر بعض المحامين الذين استجوبتهم "المساء"، الوساطة، إهدارا للوقت وإرهاقا للمتقاضي، فعلى الرغم من أهميتها في تقليل الضغط على المحاكم إلا أن تطبيقها على ارض الواقع أظهر وجود العديد من السلبيات، فمن جهة يتم تعيين الوسيط بعد أن يمثل المتخاصمون أمام القاضي، وهذا يعني أنهما قطعا شوطا كبيرا من الإجراءت الواجب اتباعها كتعيين محام والتكليف بالحضور وغيرها، ومن جهة أخرى، اقتراح حل النزاع بالوساطة يعني أن المحامي يفقد زبونا له بعد تكبد هذا الأخير عناء دراسة الملف وتهيئته للعرض على المحكمة، ولأن علاقة الثقة بين المحامي والموكل تكون كبيرة، فهذا يعني أن حظوظ الوسيط ضئيلة، ناهيك عن ارتفاع تكاليف الوسيط وعدم الرضى بما يقدمه من حلول، كونه ملزما بإيجاد حل يرضي الطرفين، وهو أمر صعب، خاصة إذا علمنا أن إمكانية الطعن في قرار الوسيط غير واردة لأن قراره نهائي، كل هذه المعطيات جعلت الأستاذ عمار بن زاوي محاميا معتمدا لدى المجلس يقول "لا أشجع مطلقا فكرة إدراج الوساطة كحل لفك المنازعات الأسرية، لأن الصلح في حد ذاته لم ينجح في التخفيف من كثرة القضايا المطروحة وما نشهده يوميا من أحكام الطلاق خير دليل، كما أن الوساطة تعني عرض نزاع ذي طابع شخصي على طرف أجنبي، وهو أمر لا يقبله عموما المتنازعان، وعني شخصيا اقترح استبعاد الصلح والوساطة في المنازعات الأسرية واعتماد إمام لديه دراية بشؤون الدين لمحاولة النظر في هذا النوع من القضايا قبل أن تصل أروقة المحاكم حتى يكون لديها فعالية". من جهته، الأستاذ "ن. ج"، قال بصريح العبارة أن الشريعة الإسلامية أوجدت الحلول لكل المشاكل الأسرية وحتى تكون الوساطة إجراء مثمرا في مثل هذا النوع من المنازعات، لابد من عرضها على مختصين في الشريعة الإسلامية قبل عرضها على أية جهة أخرى، أما الوساطة المعمول بها حاليا فهي في رأيه " مهزلة ولابد من استبعادها حتى في باقي المنازعات التي طبقت بها لأنها غير مجدية ولم تحظ بالترحيب من المتخاصمين".