تضم مدينة باميان الأفغانية التي اشتهرت بتمثالي بوذا العملاقين اللذين دمرتهما حركة طالبان، كنزا آخر يتمثل في رسوم زيتية تمثل كائنات أسطورية قال باحثون مؤخرا أنّها تعود إلى القرن السابع وتعدّ أوّل رسوم زيتية في التاريخ·ويعكف علماء من بلدان عدة جمعتهم منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) على ترميم ما يمكن ترميمه من تلك المدينة العتيقة التي تضررت من سنوات الحرب التي عصفت بأفغانستان، وفي مغاراتها درس يابانيون رسوما جدارية قديمة ما تزال ألوانها ناصعة وأعادها فريق الباحثين إلى منتصف القرن السابع· وأرسلت عينات إلى معهد الصيانة في غتي في لوس أنجلس (الولاياتالمتحدة)، حيث اكتشف الباحثون عبر تقنية خاصة بتحليل الجزيئات تدعى "الكروماتوغرافيا الغازية" آثار زيوت، وترى يوكو تانوغوشي الخبيرة في معهد الأبحاث الوطنية في اليابان حول الثروات الثقافية أنّها ببساطة أقدم رسوم زيتية يعثر عليها حتى الآن، وأوضحت تانيغوشي لوكالة فرانس برس أنّ "مختلف الزيوت المستخدمة على جدران المغارات تقتضي تقنية متطورة إلى حد كبير حتى أنّني ظننت أنّها لوحة رسمت في إيطاليا بين القرنين الرابع والخامس عشر"· لكن بدلا من اللوحات الرقيقة التي رسمت في عصر النهضة الايطالية تظهر في هذه الرسوم آلاف من صور بوذا، كما تخلّد رسوم تلك الحقبة قردين جالسين وجها لوجه ومخلوقات أسطورية، وتبدو على موضوعات الرسوم تأثيرات هندية وصينية انتقلت عبر طريق تجارة الحرير· وكانت تلك الطريق التجارية الكبيرة التي تصل الشرق بالغرب تعبر مناطق من آسيا الوسطى توجد فيها الجبال الأفغانية· وقالت تانيغوشي وهي تبتسم أنّ "زملائي الأوروبيين دهشوا لأنّهم كانوا يظنون أنّ اللوحات الزيتية خلقت في أوروبا ولم يصدقوا تطور تقنيات في الأقبية البوذية في منطقة ريفية نائية"، وفعلا يرى الأخصائيون أنّ تقنية الرسوم الزيتية ابتكار أوروبي في عهد النهضة بين القرنين الخامس والسادس عشر·وكتب الفنان والمهندس الايطالي جورجيو فاساري أوّل دليل حقيقي في هذا الموضوع بعنوان "حياة الفنانين" منتصف القرن السادس عشر· لكن المتخصصين في تاريخ الفن يعتبرون الفلامنكي "يان فان ايك" المخترع الحقيقي لتلك التقنية، وكان ذلك الرسام ابتكر منذ القرن الخامس عشر طلاءً مستقرا احتفظ بسره حتى مماته، واستخدم فنانو مغارات باميان لتثبيت رسومهم على الجدران مواد عضوية عدة لاسيما منها اللاصقة والصمغ والزيوت المجفّفة وبروتينات حيوانية، وقالت تانيغوشي أنه رغم استخدام الزيوت في الحضارات الفرعونية واليونانية والرومانية كان يتم ذلك خصوصا لأغراض طبية أو تجميلية أو لحماية هياكل السفن لكن لم يكن في الرسم على ما يبدو، وعبّرت الباحثة عن أملها في أن تفيد التقنيات المستخدمة في تحليل رسوم باميان حضارات قديمة أخرى لأن بعضها قد يكون استخدم تقنية الرسم نفسها في حضارات الصين والهند وإيران وتركيا· (واف)