يتواصل الحديث بقوة في الفترة الأخيرة على ضرورة إحياء عملية السلام المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإخراجها من عنق الزجاجة في وقت تشير فيه كل المؤشرات إلى صعوبة أو حتى استحالة المهمة التي تكفل بها الوسيط الأمريكي في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس قبل نهاية 2012.فقد جدد مجلس الوزراء الفلسطيني التأكيد على أن إعادة المصداقية لعملية السلام يتطلب وقفا شاملا وكاملا لكافة الأنشطة الاستيطانية سواء في الضفة الغربية أو القدسالمحتلة. (الوكالات) وأكّدت الحكومة الفلسطينية في بيان توّج اجتماعا لأعضائها أنّ عودة المصداقية لعملية السلام تتطلّب وقف عمليات الاعتقال والاغتيال والاجتياحات للمناطق الفلسطينية وإجراءاتها وممارساتها في المدينة المقدسة وذلك في إطار مرجعية واضحة وجدول زمني محدد يشمل كافة قضايا الوضع النهائي ومن النقطة التي توقفت عندها وبما يضمن قرارات الشرعية الدولية القاضية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كامل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ عام 1967. واستنكرت الحكومة الفلسطينية كل المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لإحباط عملية السلام عبر مواصلة البناء في المستوطنات. كما استهجنت استمرار الحفريات في محيط المقدسات الإسلامية وفى البلدة القديمة بالقدسالشرقية إضافة إلى تواصل اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين. ويقابل الإصرار الفلسطيني على ضرورة وقف الاستيطان تعنت إسرائيلي لن يزيد إلا في تعقيد مسار السلام وتقويض أي مسعى من اجل استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي آخر تحد إسرائيلي للمجموعة الدولية أعلنت حكومة الاحتلال أمس عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية بمنطقة القدسالشرقية بإعطائها الضوء الأخضر لبناء أربع عمارات جديدة بالقرب من منطقة "يشيفا" تضم 24 مسكنا لتضاف إلى آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية التي غزت القدسالمحتلة وكافة الأراضي الفلسطينية ضمن مخطط صهيوني محكم لتهويد كافة الأراضي الفلسطينية. وبين الرغبة الفلسطينية في وقف كافة الأنشطة الاستيطانية التي تواصل من خلالها حكومة الاحتلال ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية والتعنت الإسرائيلي الرافض لسماع أي صوت غير صوته تبقى عملية السلام تنتظر من يخرجها من غرفة الإنعاش التي تتواجد فيها منذ سنوات. ووسط هذين الموقفين المتنافرين لم تجد إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما التي اتخذت على عاتقها مواصلة لعب دور الوسيط في تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في خصوصه والعربي-الإسرائيلي في عمومه سوى تقديم وعود وتحديد سقف زمني لتحقيقها لتتعقب بذلك خطوات الإدارات السابقة التي فشلت كلها في فرض منطقها على إسرائيل. ولكن السؤال يبقى مطروحا إن كانت المساعي الأمريكية المتتالية ستنجح في تحقيق حلم طالما راود الفلسطينيين منذ عقود في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف والذي في كل مرة يصطدم بمواقف الإدارات الأمريكية التي ترمي المنشفة في آخر لحظة بعدما تجد نفسها عاجزة أمام لوبي صهيوني يملي عليها قراراتها عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية؟ ويجد هذا السؤال مصداقيته كون الإدارة الأمريكية والتي سيشرع موفدها إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في جولة جديدة إلى المنطقة كشفت مؤخرا عن الخطوط العريضة لخطة سلام ترى فيها المنفذ الوحيد لاحتواء صراع هو الأعقد في العصر الحالي. ومن المتوقع أن يقوم ميتشل في جولته الجديد بشرح بنود هذه الخطة على الأطراف المعنية وفي مقدمتها الطرف الفلسطيني الذي أدارت الإدارة الأمريكية ظهرها له بعدما تراجعت عن موقفها الأولي بشأن تجميد الاستيطان ثم عادت لتقدم وعودا وردية سرعان ما تتحول إلى وعود كاذبة لا تساهم إلا في تأجيل حلم إقامة الدولة الفلسطينية. وهو ما جعل الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة الفلسطينية يؤكد أن المبعوث الأمريكي للسلام جورج ميتشل سيحمل في زيارته المقبلة للمنطقة أفكارا أمريكية و"ليس مبادرة". وقال إن "المشاورات مستمرة حول كيفية إخراج عملية السلام من المأزق الحالي ودفع الإدارة الأمريكية لوضعها ضمن أولوياتها"، مضيفا "لسنا ضد المفاوضات ولكن هناك التزامات على الطرف الإسرائيلي يجب ان ينفذها وأولها وقف الاستيطان والبدء من حيث انتهت خطة خريطة الطريق". غير أن الولاياتالمتحدة قالت أن خطتها تتضمن إقامة الدولة الفلسطينية في ظرف عامين، كما تحتوي على ضمانات مسبقة للجانب الفلسطيني لقبول العودة إلى طاولة الحوار. ولكن أي ضمانات هذه التي تتحدث عنها إدارة الرئيس اوباما لإقناع الفلسطينيين بالجلوس مجددا إلى طاولة التفاوض مع حكومة يمنية متطرّفة لا تعترف في قاموسها إلا ب"دولة عبرية" والقدس عاصمة أبدية لها تبنى وتقام على أنقاض فلسطين المحتلة؟