لم تكن جمعية الجاحظية وليدة صدفة، ولم يكن ميلادها عاديا، بل كان قاسيا وعسيرا حيث كانت الرياح العاتية تهب من كل النواحي، وكانت اللغة العربية تتعاورها الصراعات السياسية بين المؤيد والمعارض، وجاءت الجاحظية لتكون الكلمة التي تجمع بين مختلف الآراء وتحترم الرأي المخالف، وأصدرت مجلة "التبيين" وهو المعني الكامل للتوضيح. وها هي الجاحظية تحتفل بعيد ميلادها العشرين وبعيد مجلة التبيين العشرين. يصدر العدد ال33 من مجلة التبيين وشيخ الروائيين الجزائريين، عمي الطاهر، بفرنسا للعلاج بعد المرض الذي ألم به، لكن قلمه ما يزال باللياقة الأدبية والحركية ذاتها التي عرفناها عنه، لا يكل ولا يلزم السرير، إنه القلم الذي يواصل طريقه كأي قارب في ربحر هائج الأمواج، مما يزيد حامله صمودا، ومقاومة لمواصلة المشوار. 20 سنة من الحضور هي خلاصة ما حققته الجاحظية وقدمته ناضجا في عددها ال33 من مجلة التبيين. جاء العدد 33 دسما قويا وشاملا لجميع الأجناس الأدبية، استهله شيخ الروائيين الجزائريين بكلمة حزينة ولكنها شجاعة وقوية وهو على فراش مرضه، يخيل للقارئ أن الحروف تذرف دموعا، إلا أن النبض يبقى صامدا والجملة تبقى حية تضخ فيه دم الإبداع الذي لا يمكن أن توضع له نقطة النهاية، وفي هذه الكلمة المؤثرة التي تصدرت مجلة التبيين، يقول عمي الطاهر: " سيداتي سادتي، أيها الأصدقاء أيتها الصديقات: من هنا، من برزخ الحياة والموت، من سريري بمشفر القديس أنطوان بباريس، أطل على الجاحظية، فأراكم، فردا، فردا، أراكم، أرى أعنيكم تجول في القاعة، تستطلع طلعة عمي الطاهر الدفاقة... وكم أتمنى لو أبرز من بينكم فأعانقكم واحدا واحدا، عناق الوفاء والإخاء في هذا اليوم الذي تجمعنا فيه ذكرى مسيرة عشرين سنة كاملة، اليوم فيها لا يضاهي باقي الأيام، وتجمعنا غبطة إنجاز هذه التوسعة في الفضاء الذي يضيق كلما اتسعت مهمات وعلاقات الجاحظية، والتي مولتها السيدة وزيرة الثقافة مشكورة، كما تجمعنا فرحة تحقيق البرنامج الثقافي السنوي، متحدين آلات النشر والحفر والقطع، واللحم وضجيجها". ويضيف شيخ الرواية في كلمته موضحا الهدف الذي وجدت من أجله الجاحظية قائلا : " للجاحظية قضيتان أساسيتان، هما الذود عن الهوية وبسط العقل، كل ذلك في إطار شعارنا : لا إكراه في الرأي". ويختم شيخ الرواية الجزائرية كلمته بالقول: " فمن كان منكم غيورا على هويته وعدوا لدودا للتعصب، فليعتبر أن الجاحظية أمانة في عنقه. اللهم مكنا ومكن من يأتي بعدنا مما نصبو إليه، من خير لأمتنا. أيها الإخوة والأخوات لا أدري هل أقول لكم إلى اللقاء.. أم وداعا". بهذه الكلمة المؤثرة افتتح العدد ال 33 من مجلة التبيين«. العدد ال 33 جاء مميزا من ناحية الغلاف وأيضا الدسامة في المادة الأدبية، حيث يحمل غلافه صورة لورقة تزينها صورة الطاهر وطار وريشه وأهداف الجاحظية ومنجزاتها منذ النشأة إلى النضج. ويحتوي العدد ال 33 نصوصا لكبار لأدباء والشعراء والروائيين الجزائريين والعرب، حيث تصدر العدد في البداية حوار مع الدكتور عبد الحميد بورايو، لتأتي بعد ذلك الأبواب التي اختارها للقراء أربعة أبواب ونوافذ: الباب الاول هو القصة واحتوى سبع قصص هي أقاصيص، نعاس، أرض الله، لعبة الأقنعة، الحافة، المشاء، حدث في العرين. باب الشعر وهو الباب الثاني في هذا العدد ويحتوي تسع قصائد هي : أطلق خيول الهدى، أصنع من صمت روحي كلاما، فاتحة اللهفة، مثلات، السحر الوردي طلل في »سيسبيرو«، مسك البوح، الحمام البشير، معبر الانتظار. الباب الثالث باب الدراسات وجاءت فيه الدراسات التالية : الكرنفال والغيرية، إشكالية الكتابة الأدبية في الجزائر من منظور سوسيولوجي، مفهوم الشخصية الروائية الأنثروبولوجية في مئة عام من العزلة ل "غابرييل غارسيا ماركيز"، الحس الإبداعي عند الأطفال وإمكانات تفعليه، كتابة الأزمة ووعي الذات من المعنى إلى الإحالة إلى التأويل قراءة في ديوان "صفاء الازمنة الخانقة" للشاعر علي ملاحي، العتبات/ العتمات، إستراتيجية العتبات عند الطاهر وطار، الأسلوبية في النقد الجزائري المعاصر، مفهوم القرآنية في فكر ابن أبي الأصبع المصري من خلال كتابه "بديع القرآن". أما الباب الرابع والأخير، وهو باب المقالات الذي احتوى هو الآخر عدة موضوعات، منها: قراءة مهنية رواية "عشاق بية" للحبيب سالمي، احتمالية النص ويقينية التأويل، نشأة البلاغة الغربية وتشكيل الخطاب، تأخر سن الزواج عند الشباب الجزائري بين الاختيار والاضطرار، الأسطورة بين الحقيقة والخيال، الشاعرة الصوفية "زبيدة بشير" المدينة بوصفها أفقا شعريا للخطاب المسرحي، مكيافللي بين إنصاف التاريخ وإجحاف اللغة. أما النوافذ فقد أتت كالتالي : تجليات الثنائية التضادية في رواية الشمعة والدهاليز للأستاذة فاطمة عماري، الأدب العراقي بعد الاحتلال إطلالة وملاحظات عبد الرحمن مجيد الربيعي، قراءة في أشكال التعبير الشعري عند إيموهاغ، بدون عنوان، نوافذ ثقافية مختصرة للشاعر أحمد مطر. العدد يحتوي على 235 صفحة من القطع الكبير.